وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
(42 - 44) يقول تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم-: وإن يكذبك هؤلاء المشركون فلست بأول رسول كذب، وليسوا بأول أمة كذبت رسولها فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين ؛ أي: قوم شعيب.
وكذب موسى فأمليت للكافرين المكذبين، فلم أعاجلهم بالعقوبة، بل أمهلتهم، حتى استمروا في طغيانهم يعمهون، وفي كفرهم وشرهم يزدادون، ثم أخذتهم [ ص: 1106 ] بالعذاب أخذ عزيز مقتدر فكيف كان نكير ؛ أي: إنكاري عليهم كفرهم وتكذيبهم، كيف حاله؟! كان أشد العقوبات، وأفظع المثلات، فمنهم من أغرقه، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أهلك بالريح العقيم، ومنهم من خسف به الأرض، ومنهم من أرسل عليه عذاب يوم الظلة، فليعتبر بهم هؤلاء المكذبون، أن يصيبهم ما أصابهم، فإنهم ليسوا خيرا منهم، ولا كتب لهم براءة في الكتب المنزلة من الله، وكم من المعذبين المهلكين أمثال هؤلاء كثير. (45) ولهذا قال: فكأين من قرية ؛ أي: وكم من قرية أهلكناها بالعذاب الشديد، والخزي الدنيوي، وهي ظالمة بكفرها بالله وتكذيبها لرسله، لم يكن عقوبتنا لها ظلما منا، فهي خاوية على عروشها ؛ أي: فديارهم متهدمة، قصورها وجدرانها، قد سقطت على عروشها، فأصبحت خرابا بعد أن كانت عامرة، وموحشة بعد أن كانت آهلة بأهلها آنسة، وبئر معطلة وقصر مشيد ؛ أي: وكم من بئر قد كان يزدحم عليه الخلق؛ لشربهم وشرب مواشيهم، ففقد أهله، وعدم منه الوارد والصادر، وكم من قصر تعب عليه أهله، فشيدوه، ورفعوه، وحصنوه، وزخرفوه، فحين جاءهم أمر الله لم يغن عنهم شيئا، وأصبح خاليا من أهله، قد صاروا عبرة لمن اعتبر، ومثالا لمن فكر ونظر.
(46) ولهذا دعا الله عباده إلى السير في الأرض؛ لينظروا، ويعتبروا فقال: أفلم يسيروا في الأرض بأبدانهم وقلوبهم فتكون لهم قلوب يعقلون بها آيات الله، ويتأملون بها مواقع عبره، أو آذان يسمعون بها أخبار الأمم الماضين، وأنباء القرون المعذبين، وإلا فمجرد نظر العين، وسماع الأذن، وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار، غير مفيد، ولا موصل إلى المطلوب، ولهذا قال: فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ؛ أي: هذا العمى الضار في الدين عمى القلب عن الحق، حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الأعمى المرئيات، وأما عمى البصر فغايته بلغة، ومنفعة دنيوية.