وقال : " لا يضمن الحيوان في العارية ويضمن الحلي والثياب ونحوها " . وقال مالك : " لا ضمان في العارية ولكن الليث أبا العباس أمير المؤمنين قد كتب إلي بأن أضمنها فالقضاء اليوم على الضمان " : وقال : " كل عارية مضمونة " قال الشافعي : والدليل على نفي ضمانها عند الهلاك إذا لم يتعد فيها أن المعير قد ائتمن المستعير عليها حين دفعها إليه ، وإذا كان أمينا لم يلزمه ضمانها ؛ لأنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أبو بكر وذلك عموم في نفي الضمان عن كل مؤتمن . لا ضمان على مؤتمن
وأيضا لما كانت مقبوضة بإذن مالكها لا على شرط الضمان لم يضمنها كالوديعة . وأيضا قد اتفق الجميع على نفي إذا لم يشترط عليه ضمان بدل المقبوض ، فالعارية أولى أن لا تكون مضمونة ؛ إذ ليس فيها ضمان مشروط [ ص: 174 ] بوجه . ومن جهة أخرى أن المقبوض على وجه الإجارة مقبوض لاستيفاء المنافع ولم يكن مضمونا ، فوجب أن لا تضمن العارية ؛ إذ كانت مقبوضة لاستيفاء المنافع . ضمان الثوب المستأجر مع شرط بذل المنافع
وأيضا لما كانت الهبة غير مضمونة على الموهوب له ؛ لأنها مقبوضة بإذن مالكها لا على شرط ضمان البدل وهي معروف وتبرع وجب أن تكون العارية كذلك ؛ إذ هي معروف وتبرع . وأيضا قد اتفق الجميع على أن لم يضمن النقصان ، فإذا كان الجزء منها غير مضمون مع حصول القبض عليه وجب أن لا يضمن الكل ؛ لأن العارية لو نقصت بالاستعمال ، كالغصب والمقبوض ببيع فاسد ؛ فلما اتفق الجميع على أن الجزء الفائت بالنقصان غير مضمون وجب أن لا يضمن الجميع كالودائع وسائر الأمانات . ما تعلق ضمانه بالقبض لا يختلف فيه حكم الكل والبعض
وقد اختلف في ألفاظ حديث في العارية ، فذكر بعضهم فيه الضمان ولم يذكره بعضهم . وروى صفوان بن أمية عن شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة أمية عن عن أبيه قال : صفوان بن أمية صفوان أدراعا من حديد يوم حنين ، فقال له : يا محمد مضمونة فقال : مضمونة فضاع بعضها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت غرمناها لك فقال : لا ، أنا أرغب في الإسلام من ذلك يا رسول الله . ورواه استعار النبي صلى الله عليه وسلم من عن إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة ، قال : صفوان بن أمية أدراعا فضاع بعضها ، فقال : إن شئت غرمناها لك فقال : لا يا رسول الله صفوان بن أمية . فوصله استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من وذكر فيه الضمان وقطعه شريك ولم يذكر الضمان . إسرائيل
وروى عن قتادة : عطاء دروعا يوم صفوان بن أمية حنين ، فقال له : أمؤداة يا رسول الله العارية ؟ فقال : نعم . وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من عن جرير عن أناس من آل عبد العزيز بن رفيع عبد الله بن صفوان قال : أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو حنينا ؛ وذكر الحديث من غير ذكر ضمان . ويقال إنه ليس في رواة هذا الحديث أحفظ ولا أتقن ولا أثبت من ، ولم يذكر الضمان ، ولو تكافأت الرواة فيه حصل مضطربا . جرير بن عبد الحميد
وقد روي في أخبار أخر من طريق وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي أمامة . العارية مؤداة
وإن صح ذكر الضمان في حديث صفوان فإن معناه ضمان الأداء ، كما روي في بعض ألفاظ حديث صفوان أنه قال : هي مضمونة حتى أؤديها إليك ، وكما حدثنا قال : حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا الفريابي قتيبة قال : حدثنا عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب : أن أول ما ضمنت العارية أن رسول [ ص: 175 ] الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن أبي هند قال لصفوان : أعرنا سلاحك وهي علينا ضمان حتى نأتيك بها ، فثبت بذلك أنه إنما شرط له ضمان الرد وذلك لأن صفوان كان حربيا كافرا في ذلك الوقت ، فظن أنه يأخذها على جهة استباحة ماله كسائر أموال الحربيين ، ولذلكمحمد ؟ فقال : لا ، بل عارية مضمونة حتى أؤديها إليك وعارية مؤداة ؛ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأخذها على أنها عارية مؤداة وأنه ليس يأخذها على سبيل ما تؤخذ عليه أموال أهل الحرب ؛ وهو كقول القائل : أنا ضامن لحاجتك ، يعني القيام بها والسعي فيها حتى يقضيها ؛ قال الشاعر يصف ناقة : قال له : أغصبا تأخذها يا
بتلك أسلي حاجة إن ضمنتها وأبرئ هما كان في الصدر داخلا
قال أهل اللغة في قوله : " إن ضمنتها " يعني إن هممت بها وأردتها .وأيضا فإنا نسلم للمخالف صحة الخبر بما روي فيه من الضمان ، ونقول : إنه لا دلالة فيه على موضع الخلاف وذلك لأنه قال : فجعل الأدراع التي قبضها مضمونة ، وهذا يقتضي ضمان عينها بالرد لا ضمان قيمتها ، ؛ إذ لم يقل أضمن قيمتها ؛ وغير جائز صرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدلالة . وأيضا فيما ادعى المخالف إثبات ضمير في اللفظ لا دلالة عليه وهو ضمان القيمة ، ولا يجوز إثباته إلا بدلالة ؛ ويدل على أنها لم تكن مضمونة ضمان القيمة عند الهلاك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فقد منها أدراعا قال عارية مضمونة لصفوان : ، فلو كان ضمان القيمة قد حصل عليه لما قال : إن شئت غرمناها لك إن شئت غرمناها لك
وهو غارم ، فدل ذلك على أن الغرم لم يجب بالهلاك وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد أن يغرمها إذا شاء ذلك صفوان متبرعا بالغرم ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استقرض من عبد الله بن ربيعة ثلاثين ألفا في هذه الغزاة أيضا ثم أراد أن يردها إلى عبد الله أبى عبد الله أن يقبلها فقال له : " خذها فإن جزاء القرض الوفاء والحمد " ؟ فلو كان الغرم لازما فيما فقد من الأدراع لما قال : . إن شئت غرمناها لك
ويدل على أنه لم يكن ضامنا لقيمة ما فقد أنه قال : لا ، فإن في قلبي اليوم من الإيمان ما لم يكن قبل ؛ وفي ذلك دليل على أنها لم تكن مضمونة القيمة ؛ لأن ما كان مضمونا لا يختلف حكمه في الإيمان والكفر .
وقال بعض شيوخنا : إن صفوان لما كان حربيا جاز أن يشرط له ذلك ؛ إذ قد يجوز فيما بيننا وبين أهل الحرب من الشروط ما لا يجوز فيما بيننا بعضنا لبعض ألا ترى أنه يجوز أن يرتهن منهم الأحرار ولا يجوز مثله فيما بيننا ؟ وكان يأبى هذا التأويل [ ص: 176 ] ويقول : لا يصح أبو الحسن الكرخي ألا ترى أنه لو شرطنا لهم ضمان الودائع والمضاربات ونحوها لم يصح ؟ شرط الضمان لأهل الحرب فيما ليس بمضمون
واحتج من قال بضمان العارية بما رواه شعبة وسعيد بن أبي عروبة عن عن قتادة عن الحسن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا دلالة في هذا الحديث أيضا على موضع الخلاف ؛ لأنه إنما أوجب رد المأخوذ بعينه وليس فيه ذكر ضمان القيمة عند هلاكه ، ونحن نقول إن عليه رد العارية ، فهذا لا خلاف فيه ولا تعلق له أيضا بموضع الخلاف ؛ والله تعالى أعلم بالصواب . على اليد ما أخذت حتى تؤديه