[ ص: 82 ] سورة القيامة
مقصودها الدلالة على عظمة المدثر المأمور بالإنذار صلى الله عليه وسلم لعظمة مرسله سبحانه وتمام اقتداره بأنه كشف له العلوم حتى صار إلى الأعيان بعد الرسوم بشرح آخر سورته من أن هذا القرآن تذكرة عظيمة لما أودعه [الله -] من وضوح المعاني وعذوبة الألفاظ وجلالة النظوم ورونق السبك وعلو المقاصد، فهو لذلك معشوق لكل طبع، معلوم ما خفي من أسراره وإشاراته بصدق النية وقوة العزم بحيث يصير بعد كشفه إذا أثر كأنه كان منسيا بعد حفظه فذكر فمن شاء ذكره فحفظه وعلم معانيه وتخلق بها، وإنما المانع عن ذلك مشيئة الله تعالى، فمن شاء حجبه عنه أصلا ورأسا، ومن شاء كشف عنة الحجاب وجعله يعينه على [ ص: 83 ] على أعظم صواب دون شك ولا ارتياب، وجلى عليه أوانسه وعرائسه وحباه جواهره ونفائسه، وحلاه به، فكان ملكه وسائسه، كما كان المدثر صلى الله عليه وسلم حين كان خلقه القرآن، واسمها القيامة واضح في ذلك جدا، وليس فيها ما يقوم بالدلالة عليه غيره إذا تؤملت الآية مع ما أشارت إليه " لا " النافية للقسم أو المؤكدة مع أنها في الوضوح في حد لا يحتاج إلى الإقسام [عليه -] لأنه لا يوجد أحد يدع من تحت يده يعدو بعضهم على بعض، ويتصرفون فيما خولهم فيه منه غير حساب، فكيف بأحكم الحاكمين الذي وكل عبيده أضعافهم من الملائكة فهم يديرون كل لحظة فيهم كؤوس المنايا، ويأخذون من أمرهم به سبحانه إلى داره البرزخ للتهيئة للعرض ويسوقونهم زمرا بعد زمر إلى العود في الأرض حتى ينتهي الجمع في القبور، ويقيمهم بالنقر في الناقور، والنفخ في الصور، إلى ساحة الحساب للثواب والعقاب، ولم يحجب عن علم ذلك حتى ضل عنه أكثر الخلق إلا مشيئته سبحانه بتغليب النفس الأمارة حتى صارت اللوامة منهمكة في الشر شديدة اللوم عن الإقصار عن شيء منه كما أن ما جلاه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حتى كان خلقه، ولمن أراد من أتباعه إلا إرادته سبحانه [ ص: 84 ] بتغليب المطمئنة حتى صار الكل روحا صرفا [و -] نورا خالصا بحتا ( بسم الله ) الذي شرف رسوله صلى الله عليه وسلم فأعجز الخلق بكتابه بما له من الجلال ( الرحمن ) الذي عم بنعمتي الإيجاد والبيان أهل الهدى والضلال ( الرحيم ) الذي خص أهل العناية بالسداد في الأقوال والأفعال.