وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين .
قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) قال موضع "إذ" نصب ، المعنى: واذكر في أقاصيصك إذ أخذ الله . قال الزجاج: والميثاق: العهد . وفي الذي أخذ ميثاقهم عليه قولان . أحدهما: أنه تصديق ابن عباس: محمد صلى الله عليه وسلم ، روي عن علي ، وابن عباس ، وقتادة ، والثاني: أنه أخذ ميثاق الأول من الأنبياء ليؤمنن بما جاء به الآخر منهم ، قاله [ ص: 415 ] والسدي . قال طاووس . مجاهد ، هذه الآية خطأ من الكتاب ، وهي في قراءة والربيع بن أنس: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) واحتج ابن مسعود: بقوله تعالى: الربيع (ثم جاءكم رسول) وقال بعض أهل العلم: إنما أخذ الميثاق على النبيين ، وأممهم ، فاكتفى بذكر الأنبياء عن ذكر الأمم ، لأن في أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على التابع ، وهذا معنى قول ابن عباس ، والزجاج .
واختلف العلماء في لام "لما" فقرأ الأكثرون "لما" بفتح اللام والتخفيف ، وقرأ مثلها ، إلا أنه كسر اللام ، وقرأ حمزة "لما" مشددة الميم ، فقراءة سعيد بن جبير معناها: حين آتيتكم . وقال ابن جبير ، في قراءة الفراء يريد أخذ الميثاق للذي آتاهم ، ثم جعل قوله: حمزة: (لتؤمنن به) من الأخذ . قال ومن نصب اللام جعلها زائدة . و"ما" هاهنا بمعنى الشرط والجزاء ، فالمعنى: لئن آتيتكم ومهما آتيتكم شيئا من كتاب وحكمة . قال الفراء: اللام في قوله تعالى: (لما آتيتكم) على قراءة من شدد أو كسر: جواب لأخذ الميثاق قال: لأن أخذ الميثاق يمين ، وعلى قراءة من خففها ، معناها: القسم ، وجواب القسم اللام في قوله ابن الأنباري: (لتؤمنن به) . وإنما خاطب ، فقال: آتيتكم . بعد أن ذكر [ ص: 416 ] النبيين وهم غيب ، لأن في الكلام معنى قول وحكاية ، فقال مخاطبا لهم: لما آتيتكم وقرأ "آتيناكم" بالنون والألف . نافع
قوله تعالى: (ثم جاءكم رسول) قال علي رضي الله عنه: ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد ، إن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه . وقال غيره: أخذ ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا . والإصر هاهنا: العهد في قول الجماعة . قال أصل الإصر: الثقل ، فسمي العهد إصرا ، لأنه منع من الأمر الذي أخذ له ، وثقل وتشديد . وكلهم كسر ألف "إصري" . وروى ابن قتيبة: أبو بكر ، عن عصام ضمه . قال أبو علي: يشبه أن يكون الضم لغة .
قوله تعالى: (قال فاشهدوا) قال الشهادة: الإخبار بما شوهد . وفيمن خوطب بهذا قولان . أحدهما: أنه خطاب للنبيين ، ثم فيه قولان . أحدهما: أنه معناه: فاشهدوا على أممكم ، قاله ابن فارس: والثاني: فاشهدوا على أنفسكم ، قاله علي بن أبي طالب . والثاني: أنه خطاب للملائكة ، قاله مقاتل . فعلى هذا يكون كناية عن غير مذكور . سعيد بن المسيب .