الأول: روى عن البخاري، عن الزهري، قال: عروة رجلا في شراج الحرة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اسق يا الزبير زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك فقال الأنصاري: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك . خاصم
واستوعى النبي - صلى الله عليه وسلم - حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة. للزبير
قال فما أحسب هذا الآيات إلا نزلت في ذلك: الزبير: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم
قال : هكذا رواه ابن كثير في (كتاب التفسير) في "صحيحه" من حديث [ ص: 1363 ] البخاري ، وفي كتاب (المساقاة) من حديث معمر ابن جريج أيضا، وفي كتاب (الصلح) من حديث ومعمر شعيب بن أبي حمزة، ثلاثتهم عن عن الزهري، فذكره، وصورته الإرسال وهو متصل في المعنى، وقد رواه عروة من هذا الوجه فصرح بالإرسال فقال: حدثنا الإمام أحمد أخبرنا أبو اليمان، شعيب، عن أخبرني الزهري، عروة بن الزبير كان يحدث أنه كان يخاصم رجلا من الزبير الأنصار - قد شهد بدرا - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة، كان يستقيان بها كلاهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اسق، ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال للزبير: اسق يا زبير، ثم احبس الماء، حتى يرجع إلى الجدر للزبير . أن
فاستوعى النبي - صلى الله عليه وسلم - حقه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك أشار على للزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوعى النبي - صلى الله عليه وسلم - الزبير حقه في صريح الحكم. للزبير
قال فقال عروة: : والله! ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك: الزبير فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
[ ص: 1364 ] (هكذا رواه ، وهو منقطع بين الإمام أحمد وبين أبيه عروة فإنه لم يسمع منه، والذي يقطع به أنه سمعه من أخيه الزبير عبد الله ، فإن أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رواه كذلك في "تفسيره".
فقال: حدثنا حدثنا ابن يونس بن عبد الأعلى، أخبرني وهب، الليث ويونس، عن أن ابن شهاب، حدثه أن عروة بن الزبير حدثه عن عبد الله بن الزبير أنه خاصم رجلا.... الحديث). الزبير بن العوام،
قال : وهكذا رواه ابن كثير ، من حديث النسائي به، ورواه ابن وهب والجماعة كلهم من حديث أحمد به، وجعله أصحاب الأطراف في مسند الليث وهكذا ساقه عبد الله بن الزبير، في مسند الإمام أحمد والله أعلم. عبد الله بن الزبير،
وروى عن ابن أبي حاتم، عن الزهري، في هذه الآية قال: سعيد بن المسيب نزلت في الزبير بن العوام اختصما في ماء، فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسقى الأعلى ثم الأسفل. وحاطب بن أبي بلتعة،
قال : هذا مرسل، ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاري. انتهى. ابن كثير
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": وحكى وشيخه الواحدي الثعلبي والمهدوي أنه وتعقب بأن حاطب بن أبي بلتعة، وإن كان بدريا - لكنه من المهاجرين. حاطبا -
لكن مستند ذلك ما أخرجه من طريق ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، في قوله تعالى: سعيد بن المسيب فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية، قال: نزلت في الزبير بن العوام اختصما في ماء.... الحديث. وحاطب بن أبي بلتعة،
وإسناده قوي مع إرساله، فإن كان سمعه من سعيد بن المسيب فيكون موصولا، وعلى هذا فيؤول قوله (من الأنصار) على إرادة المعنى الأعم، كما وقع ذلك في حق غير واحد الزبير كعبد الله بن حذافة.
وأما قول الكرماني بأن كان حليفا للأنصار - ففيه نظر. حاطبا
[ ص: 1365 ] وأما قوله (من بني أمية بن زيد) فلعله كان مسكنه هناك، كعمر، ثم قال: ويترشح بأن كان حليفا لآل حاطبا من الزبير بن العوام بني أسد ، وكأنه كان مجاورا ، والله أعلم. (ج5 ص25 و27) للزبير
أقول: وقع في التفسير المنسوب ههنا ذكر لابن عباس وتلقيبه بالمنافق وإدراجه تحت قوله تعالى: حاطب بن أبي بلتعة رأيت المنافقين وفي صحة هذا عن نظر، وكيف؟ وقد كان - رضي الله عنه - من البدريين، وقد انتفى النفاق عمن شهدها. ابن عباس
قال التوربشتي: يحتمل أنه أصدر ذلك منه بادرة النفس، كما وقع لغيره ممن صحت توبته، إذ لم تجر عادة السلف بوصف المنافقين بصفة النصرة التي هي المدح ولو شاركهم في النسب، قال: بل هي زلة من الشيطان تمكن به منها عند الغضب، وليس ذلك بمستنكر من غير المعصوم في تلك الحالة. انتهى.
ولما رضي الله عنه - بضرب عنقه في قصة الظعينة، قال عمر - لا تعجل علي [ ص: 1366 ] يا رسول الله! والله إني لمؤمن بالله ورسوله، وما ارتددت ولا بدلت، فأقره صلى الله عليه وسلم، وكف حاطب: عنه، وقال - صلى الله عليه وسلم - عمر إنه قد شهد بدرا، وما يدريك يا لعمر: لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فذرفت عينا عمر؟ عمر .... الحديث. هم
ولله در أصحاب الصحاح حيث أبهموا في قصة اسم خصمه سترا عليه كيلا يغض من مقامه، وهكذا ليكن الأدب، وكفانا أصلا عظيما في هذا الباب إبهام التنزيل الجليل في كثير من قصصه الكريمة، فهو ينبوع المعارف والآداب على مرور السنين والأحقاب، هذا كله على الجزم بأنها نزلت في قصة الزبير وخصمه. الزبير
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": والراجح رواية الأكثر، وأن كان لا يجزم بذلك، ثم قال الحافظ الزبير ابن حجر: وجزم مجاهد بأن الآية إنما نزلت فيمن نزلت فيه الآية التي قبلها وهي قوله تعالى: والشعبي ألم تر إلخ.
فروى في "تفسيره" بإسناد صحيح عن إسحاق بن راهويه ، قال: الشعبي كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم؛ لأنه علم أنهم يأخذونها، فأنزل الله هذه الآيات إلى.... ويسلموا تسليما
وأخرجه من طريق ابن أبي حاتم عن ابن أبي نجيح، ، نحوه. مجاهد
[ ص: 1367 ] وروى بإسناد صحيح عن الطبري أن حاكم اليهود يومئذ كان ابن عباس قبل أن يسلم ويصحب. أبا برزة الأسلمي
وروي بإسناد آخر صحيح إلى أنه مجاهد كعب بن الأشرف . انتهى.
وقال : ذكر سبب آخر غريب جدا، قال ابن كثير : حدثنا ابن أبي حاتم قراءة، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرني ابن وهب عن عبد الله بن لهيعة، أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقضى بينهما، فقال المقضي عليه: ردنا إلى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم انطلقا إليه، فلما أتيا إليه، فقال الرجل: يا عمر بن الخطاب، ! قضى لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا، فقال: ردنا إلى ابن الخطاب فردنا إليك، فقال: أكذاك؟ قال: نعم، فقال عمر بن الخطاب مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليه مشتملا على سيفه فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر: فقتله، وأدبر الآخر، فأتى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول! قتل عمر والله صاحبي، ولولا أني أعجزته لقتلني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن فأنزل الله: عمر فلا وربك لا يؤمنون الآية ، فهدر دم ذلك الرجل وبرئ من قتله، فكره الله أن يسن ذلك بعد، فأنزل: عمر ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم الآية، وكذا رواه من طريق ابن مردويه ، عن ابن لهيعة أبي الأسود به، وهو أثر غريب مرسل، وابن لهيعة ضعيف، والله أعلم.
طريق أخرى: قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم في "تفسيره": حدثنا شعيب بن شعيب، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عتبة بن حمزة، حدثني أبي أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي [ ص: 1368 ] عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى فذهبا إليه، فقال الذي قضى له: قد اختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى لي، فقال أبي بكر الصديق، : أنتما على ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى صاحبه أن يرضى، فقال: نأتي أبو بكر فقال المقضي له: قد اختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، فسأله عمر بن الخطاب، ، فقال كذلك فدخل عمر بن الخطاب منزله وخرج والسيف في يده قد سله، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى، فقتله، فأنزل الله: عمر فلا وربك لا يؤمنون الآية. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": روى في تفسيره عن الكلبي أبي صالح، عن قال: نزلت هذه الآية في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى ابن عباس محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف ، فذكر القصة، وفيه أن قتل المنافق وأن ذلك سبب نزول هذه الآيات وتسمية عمر عمر الفاروق.
وهذا الإسناد - وإن كان ضعيفا - لكن تقوى بطريق ، ولا يضره الاختلاف؛ لإمكان التعدد. مجاهد
وأفاد بإسناد صحيح عن الواحدي سعيد ، عن أن اسم الأنصاري المذكور قتادة قيس، ورجح في "تفسيره" وعزاه إلى أهل التأويل في "تهذيبه" أن سبب نزولها هذه القصة؛ ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد، قال: ولم يعرض بينها ما يقتضي خلاف ذلك. الطبري
ثم قال: ولا مانع أن تكون قصة وخصمه وقعت في أثناء ذلك فيتناولها عموم الآية، والله أعلم. انتهى. الزبير
قال الرازي : اعلم أن قوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون قسم من الله تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط:
أولها: قوله تعالى: حتى يحكموك فيما شجر بينهم وهذا يدل على أن لا يكون مؤمنا. من لم يرض بحكم الرسول
الشرط الثاني: [ ص: 1369 ] قوله: ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت واعلم أن الراضي بحكم الرسول - عليه الصلاة والسلام - قد يكون راضيا في الظاهر دون القلب، فبين في هذه الآية أنه لا بد من حصول الرضا به في القلب، واعلم أن ميل القلب ونفرته شيء خارج عن وسع البشر، فليس المراد من الآية ذلك بل المراد منه أن يحصل الجزم واليقين في القلب بأن الذي يحكم به الرسول هو الحق والصدق.
الشرط الثالث: قوله: ويسلموا تسليما واعلم أن من عرف بقلبه كون ذلك الحكم حقا وصدقا قد يتمرد عن قبوله على سبيل العناد أو يتوقف في ذلك القبول، فبين تعالى أنه كما لا بد في الإيمان من حصول ذلك اليقين في القلب فلا بد أيضا من التسليم معه في الظاهر، فقوله: ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت المراد به الانقياد في الباطن، وقوله: ويسلموا تسليما المراد منه الانقياد في الظاهر، والله أعلم.
الثالث: قال الرازي : ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس؛ لأنه لا يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه على الإطلاق، وأنه لا يجوز العدول منه إلى غيره، ومثل هذه المبالغة المذكورة في هذه الآية قلما يوجد في شيء من التكاليف، وذلك يوجب تقديم عموم القرآن والخبر على حكم القياس، وقوله: ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت مشعر بذلك؛ لأنه متى خطر بباله قياس يفضي إلى نقيض مدلول النص فهناك يحصل الحرج في النفس، فبين تعالى أنه لا يكمل إيمانه إلا بعد أن لا يلتفت إلى ذلك الحرج، ويسلم النص تسليما كليا، وهذا الكلام قوي حسن لمن أنصف.
الرابع: (لا) في قوله تعالى: فلا وربك قيل إنها رد لمقدر، أي: تفيد نفي أمر سبق، والتقدير: ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك، ثم استأنف القسم بقوله: وربك لا يؤمنون حتى يحكموك وقيل: مزيدة لتأكيد النفي الذي جاء فيما بعد أعني الجواب؛ لأنه إذا ذكر في أول الكلام وفي آخره كان أوكد وأحسن، وقيل: إنها مزيدة لتأكيد معنى القسم، وارتضاه ، قال كما زيدت [ ص: 1370 ] في: الزمخشري لئلا يعلم [الحديد: من الآية 29] لتأكيد وجوب العلم.
قال في "الانتصاف": يشير إلى أن (لا) لما زيدت مع القسم - وإن لم يكن المقسم به - دل ذلك على أنها إنما تدخل فيه لتأكيد القسم، فإذا دخلت حيث يكون المقسم عليه نفيا تعين جعلها لتأكيد القسم؛ طردا للباب، أو الظاهر عنده - والله أعلم - أنها هنا لتوطئة النفي المقسم عليه، لم يذكر مانعا من ذلك، وحاصل ما ذكره: مجيئها لغير هذا المعنى في الإثبات، وذلك لا يأبى مجيئها في النفي على الوجه الآخر من التوطئة، على أن في دخولها على القسم المثبت نظرا، وذلك أنها لم ترد في الكتاب العزيز إلا مع القسم حيث يكون بالفعل، مثل: والزمخشري لا أقسم بهذا البلد [البلد: 1]: لا أقسم بيوم القيامة [القيامة: 1]: فلا أقسم بالخنس [التكوير: 15] فلا أقسم بمواقع النجوم [الواقعة: 75] فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون [الحاقة: 38 - 39] ولم تدخل أيضا إلا على القسم بغير الله تعالى، ولذلك سر يأبى كونها في هذه الآية لتأكيد القسم ويعين كونها للتوطئة، وذلك أن المراد بها في جميع الآيات التي عددناها تأكيد تعظيم المقسم به، إذ لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له، فكأنه بدخولها يقول: إن إعظامي لهذه الأشياء بالقسم بها كلا إعظام، يعني أنها تستوجب من التعظيم فوق ذلك، وهذا التأكيد إنما يؤتى به رفعا لتوهم كون هذه الأشياء غير مستحقة للتعظيم، وللإقسام بها، فيزاح هذا الوهم بالتأكيد في إبراز فعل القسم مؤكدا بالنفي [ ص: 1371 ] المذكور.
وقد قرر هذا المعنى في دخول (لا) عند قوله: الزمخشري لا أقسم بيوم القيامة على وجه مجمل، هذا بسطه وإيضاحه، فإذا بين ذلك فهذا الوهم الذي يراد إزاحته في القسم بغير الله مندفع في الإقسام بالله، فلا يحتاج إلى دخول (لا) مؤكدة للقسم، فيتعين حملها على الموطئة، ولا تكاد تجدها - في غير الكتاب العزيز - داخلة على قسم مثبت، وأما دخولها في القسم وجوابه نفي، فكثير مثل:
فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر
[ ص: 1372 ] وكقوله:
ألا نادت أمامة باحتمال لتحزنني فلا بك ما أبالي
وقوله:
رأى برقا فأوضع فوق بكر فلا بك ما أسال ولا أغاما
[ ص: 1373 ] وقوله:
فخالف فلا والله تهبط تلعة من الأرض إلا أنت للذل عارف
وهو أكثر من أن يحصى، فتأمل هذا الفصل فإنه حقيق بالتأمل. انتهى.
الخامس: اعلم أن كل حديث صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن رواه جامعو الصحاح، أو صححه من يرجع إليه في التصحيح من أئمة الحديث فهو مما تشمله هذه الآية، أعني قوله تعالى: مما قضيت فحينئذ يتعين على كل مؤمن بالله ورسوله الأخذ به وقبوله ظاهرا وباطنا، وإلا بأن التمس مخارج لرده أو تأويله بخلاف ظاهره لتمذهب تقلده وعصبية ربي عليها - كما هو شأن المقلدة أعداء الحديث وأهله - فيدخل في هذا الوعيد الشديد المذكور في هذه الآية، الذي تقشعر له الجلود وترجف منه الأفئدة.
قال الإمام في الرسالة التي أرسلها إلى الشافعي أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي: عن سفيان بن عيينة، عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه قال: أرسله رضي الله عنه - إلى شيخ من زهرة كان يسكن دارنا، فذهبت معه إلى عمر بن الخطاب - فسأل عن وليدة من ولائد الجاهلية، فقال: أما الفراش فلفلان، وأما النطفة فلفلان، فقال: صدقت، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالفراش. عمر،
قال : وأخبرني من لا أتهم، عن الشافعي قال: أخبرني ابن أبي ذئب مخلد بن خفاف قال: [ ص: 1374 ] ابتعت غلاما فاستغللته، ثم ظهرت منه على عيب فخاصمت فيه إلى فقضى لي برده، وقضى علي برد غلته، فأتيت عمر بن عبد العزيز، فأخبرته فقال: أروح إليه العشية فأخبره أن عروة أخبرتني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان، فعجلت إلى عائشة فأخبرته بما أخبرني به عروة عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عائشة : فما أيسر علي من قضاء قضيته، والله يعلم أني لم أرد فيه إلا الحق - فبلغتني فيه سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرد قضاء عمر بن عبد العزيز وأنفذ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فراح إليه عمر فقضى لي أن آخذ الخراج الذي قضى به علي له. عروة
قال : وأخبرني من لا أتهم من أهل الشافعي المدينة ، عن قال: قضى ابن أبي ذئب سعيد بن إبراهيم على رجل بقضية، برأي ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فأخبرته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ما قضى به، فقال سعد لربيعة: هذا وهو عندي ثقة، يخبرني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ما قضيت به، فقال له ابن أبي ذئب، ربيعة: قد اجتهدت ومضى حكمك، فقال واعجبا، أنفذ قضاء سعد: وأرد قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل أرد قضاء سعد بن أم سعد وأنفذ قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعى سعد بن أم سعد بكتاب القضية فشقه، فقضى للمقضي عليه. سعد
قال : أخبرنا الشافعي أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي، قال: حدثني عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، أبي شريح الكعبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عام الفتح: [ ص: 1375 ] من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود .
قال : فقلت أبو حنيفة : أتأخذ بهذا يا لابن أبي ذئب أبا الحارث؟ فضرب صدري وصاح علي صياحا كثيرا، ونال مني وقال: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وتقول: أتأخذ به؟! نعم، آخذ به، وذلك الفرض علي وعلى من سمعه، إن الله تبارك وتعالى اختار محمدا - صلى الله عليه وسلم - من الناس فهداهم به وعلى يديه، واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين داخرين، لا مخرج لمسلم من ذلك، وما سكت حتى تمنيت أن يسكت. انتهى.
قال الإمام الفلاني في "إيقاظ الهمم" بعد نقل ما مر: تأمل فعل وفعل عمر بن الخطاب وفعل عمر بن عبد العزيز ، يظهر لك أن المعروف عند الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعند سائر العلماء المسلمين - أن سعد بن إبراهيم ومنع نفوذه، ولا يعارض نص الكتاب والسنة بالاحتمالات العقلية والخيالات النفسانية والعصبية الشيطانية، بأن يقال: لعل هذا المجتهد قد اطلع على هذا النص وتركه لعلة ظهرت له، أو أنه اطلع على دليل آخر، ونحو هذا مما لهج به فرق الفقهاء المتعصبين، وأطبق عليه جهلة المقلدين، فافهم. انتهى. حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نص كتاب الله تعالى وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب نقضه
[ ص: 1376 ] وقال ولي الدين التبريزي في "مشكاة المصابيح" في (الفصل الثالث عشر) من (باب الجماعة وفضلها): وعن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عبد الله : أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول أنت: لنمنعهن؟! لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم فقال بلال: والله لنمنعهن، فقال
(وفي رواية عن أبيه) قال: سالم فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا ما سمعت سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول: والله لنمنعهن، رواه . مسلم
وعن ، عن مجاهد ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عبد الله بن عمر : فإنا نمنعهن، فقال لعبد الله بن عمر عبد الله أحدثك عن رسول الله وتقول هذا؟ قال فما كلمه عبد الله حتى مات، رواه الإمام لا يمنعن رجل أهله أن يأتوا المساجد فقال ابن أحمد.
وقال الطيبي شارح "المشكاة": عجبت ممن سمي بالسني إذا سمع من سنة رسول الله وله رأي رجح رأيه عليها، وأي فرق بينه وبين المبتدع؟! أما سمع: ؟ لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به
وها هو - وهو من أكابر الصحابة وفقهائها - كيف غضب لله ورسوله وهجر فلذة كبده لتلك الهنة؛ عبرة لأولي الألباب. ابن عمر
وروى الإمام في "صحيحه" في (كراهة الخذف) قبيل (كتاب الأضاحي) عن [ ص: 1377 ] مسلم سعيد بن جبير خذف، قال فنهاه وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف، وقال: إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا، ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين فقال فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه ثم تخذف، لا أكلمك أبدا. لعبد الله بن مغفل أن قريبا
قال النووي: فيه جواز ، وأنه يجوز هجرانهم دائما، فالنهي عنه فوق ثلاثة أيام إنما هو في هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما هجر أهل البدع فيجوز على الدوام، كما يدل عليه هذا مع نظائر له، لحديث هجران أهل البدع والفسوق . كعب بن مالك
قال السيوطي : وقد ألفت مؤلفا سميته "الزجر بالهجر" لأني كثير الملازمة لهذه السنة.
أقول: حديث الخذف ساقه الحافظ في "سننه" تحت باب (تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثه فلم يعظمه ولم يوقره) ورواه من طرق متنوعة، وفي بعضها: الدارمي أحدثك أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الخذف ثم تخذف؟ والله! لا أشهد لك جنازة ولا أعودك في مرض ولا أكلمك أبدا.
وأسند في هذا الباب، عن الدارمي ، عن قتادة أنه حدث رجلا بحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل: قال فلان وفلان: كذا وكذا! فقال ابن سيرين : أحدثك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول: قال فلان وفلان؟! لا أكلمك أبدا. ابن سيرين
وأسند أيضا فيه عن عبد الرحمن بن حرملة قال: يودعه [ ص: 1378 ] بحج أو عمرة، فقال له: لا تبرح حتى تصلي، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: لا يخرج بعد النداء من المسجد إلا منافق، إلا رجل أخرجته حاجة وهو يريد الرجعة إلى المسجد، فقال: إن أصحابي بالحرة، قال فخرج، قال: فلم يزل سعيد بن المسيب سعيد يولع بذكره حتى أخبر أنه وقع من راحلته فانكسرت فخذه. جاء رجل إلى
وذكر - رضي الله عنه - قبل هذا الباب (باب ما يتقى من تفسير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول غيره عند قوله صلى الله عليه وسلم) وأسند عن الدارمي ، عن أبيه، عن معتمر أنه قال: أما تخافون أن تعذبوا أو يخسف بكم أن تقولوا: قال رسول الله وقال فلان. ابن عباس
قال الإمام شمس الدين بن القيم في "أعلام الموقعين": ترى كثيرا من الناس إذا جاء الحديث يوافق قول من قلده - وقد خالفه راويه - يقول: الحجة فيما روى لا في قوله، فإذا جاء قول الراوي موافقا لقول من قلده والحديث يخالفه قال: لم يكن الراوي يخالف ما رواه إلا وقد صح عنده نسخه، وإلا كان قدحا في عدالته، فيجمعون في كلامهم بين هذا وهذا.
بل قد رأينا ذلك في الباب الواحد، وهذا من أقبح التناقض، والذي ندين الله به، ولا يسعنا غيره، أن الحديث إذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه - أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان، لا راويه ولا غيره، إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث ولا يحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة، أو أن يتأول فيه تأويلا مرجوحا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه، ولو قدر انتقاء ذلك كله ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه لم يكن الراوي معصوما، ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك، اهـ.
[ ص: 1379 ] وقال الفلاني رحمه الله تعالى في "الإيقاظ" قال عثمان بن عمر: جاء رجل إلى فسأله عن مسألة فقال له: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، فقال الرجل: أرأيت؟ فقال مالك بن أنس مالك: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم قال لم تكن من فتيا الناس أن يقال لهم: لم قلت هذا؟ كانوا يكتفون بالرواية ويرضون بها. مالك:
قال الجنيد - رضي الله عنه -: الطرق كلها مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (فتوى له) قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله تعالى افترض على العباد طاعته وطاعة رسوله، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه، في كل ما أمر به ونهى عنه، إلا رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى كان صديق الأمة وأفضلها بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنه يقول: أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.
واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوما في كل ما أمر به ونهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال غير واحد من الأئمة: كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهؤلاء الأئمة الأربعة قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه، وذلك هو الواجب، وقال أبو حنيفة: هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي خير منه قبلناه، ولهذا لما اجتمع أفضل أصحابه أبو يوسف بإمام دار الهجرة وسأله عن مسألة الصاع، وصدقة الخضروات، ومسألة الأحباس، فأخبره مالك بن أنس رضي الله عنه - بما دلت عليه السنة في ذلك، فقال: رجعت لقولك يا أبا مالك - عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت.
رحمه الله كان يقول: إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة، أو كلام هذا معناه. ومالك
[ ص: 1380 ] رحمه الله كان يقول: إذا صح الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على طريق فهي قولي. والشافعي
ثم قال ابن تيمية: وإذا قيل لهذا المستفتي المسترشد: أنت أعلم أم الإمام الفلاني؟ كانت هذه معارضة فاسدة؛ لأن الإمام الفلاني قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة، ولست من هذا ولا من هذا، ولكن نسبة هؤلاء الأئمة إلى نسبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي ومعاذ ونحوهم إلى الأئمة وغيرهم، فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النزاع، فإذا تنازعوا في شيء ردوه إلى الله وإلى رسوله، وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع أخر، وكذلك موارد النزاع بين الأئمة، وقد ترك الناس قول عمر - رضي الله عنهما - في مسألة وابن مسعود ، وأخذوا بقول تيمم الجنب - رضي الله عنه – وغيره لما احتج بالكتاب والسنة، وتركوا قول أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - في دية الأصابع، وأخذوا بقول عمر لما كان من السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: معاوية بن أبي سفيان . هذه وهذه سواء
وقد كان بعض الناس يناظر - رضي الله عنهما - في المتعة، فقال له: قال ابن عباس أبو بكر ، فقال وعمر : يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال ابن عباس أبو بكر ، وكذلك وعمر - رضي الله عنهما - لما سألوه عنها، فأمر بها فعارضوه بقول ابن عمر ، فبين لهم أن عمر لم يرد ما يقولونه، فألحوا عليه فقال لهم، أرسول الله أحق أن يتبع أم عمر ؟ مع علم الناس بأن عمر أبا بكر أعلم من وعمر ابن عمر - رضي الله عنهم - ولو فتح هذا الباب لأوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله، وبقي كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي في أمته، وهذا تبديل للدين، وشبيه بما عاب الله به النصارى في قوله: وابن عباس اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون [التوبة: 31] والله سبحانه أعلم. انتهى.
[ ص: 1381 ] وقال الإمام ابن القيم في خطبة "زاد المعاد": فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته صلى الله عليه وسلم، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة، وقد أقسم صلى الله عليه وسلم بأن لا يؤمن أحد حتى يكون هو أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وأقسم سبحانه بأنه لا يؤمن من لم يحكمه في كل ما تنازع فيه هو وغيره، ثم يرضى بحكمه، ولا يجد في نفسه حرجا مما حكم به، ثم يسلم له تسليما، وينقاد له انقيادا، وقال تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [الأحزاب: من الآية 36] فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله، فليس لمؤمن أن يختار شيئا [ ص: 1382 ] بعد أمره صلى الله عليه وسلم، بل إذا أمر فأمره حتم، وإنما الخيرة في قول غيره، إذا خفي أمره، وكان ذلك الغير من أهل العلم به وبسنته، فبهذه الشروط يكون قول غيره سائغ الاتباع، لا واجب الاتباع، فلا يجب على أحد اتباع قول أحد سواه، بل غايته أنه يسوغ له اتباعه، ولو ترك الأخذ بقول غيره لم يكن عاصيا لله ورسوله، فأين هذا ممن يجب على جميع المكلفين اتباعه، ويحرم عليهم مخالفته، ويجب عليهم ترك كل قول لقوله، فلا حكم لأحد معه، ولا قول لأحد معه، كما لا تشريع لأحد معه، وكل حي سواه فإنما يجب اتباعه على قوله إذا أمر بما أمر به ونهى عما نهى عنه، فكان مبلغا محضا ومخبرا، لا منشئا ومؤسسا، فمن أنشأ أقوالا وأسس قواعد بحسب فهمه وتأويله لم يجب على الأمة اتباعها ولا التحاكم إليها، حتى تعرض على ما جاء به، فإن طابقته ووافقته وشهد لها بالصحة قبلت حينئذ، وإن خالفته وجب ردها واطراحها، وإن لم يتبين فيها أحد الأمرين جعلت موقوفة، وكان أحسن أحوالها أن يجوز الحكم والإفتاء بها، وأما أنه يجب ويتعين، فكلا. انتهى.
وقوله تعالى: