[ ص: 293 ] - 20 - : جدل القرآن
الحقائق الظاهرة الجلية يلمسها الإنسان وتنطق بها شواهد الكون ولا يحتاج إلى برهان على ثبوتها ، أو دليل على صحتها . ولكن المكابرة كثيرا ما تحمل أصحابها على إثارة الشكوك وتمويه الحقائق بشبه تلبسها لباس الحق ، وتزينها في مرآة العقل ، فهي في حاجة إلى مقارعتها بالحجة ، واستدراجها إلى ما يلزمها بالاعتراف آمنت أو كفرت . والقرآن الكريم -وهو دعوة الله إلى الإنسانية كافة- وقف أمام نزعات مختلفة حاولت بالباطل إنكار حقائقه ومجادلة أصوله . فألجم خصومتهم بالحس والعيان ، وعارضهم في أسلوب مقنع ، واستدلال ملزم ، وجدل محكم .
تعريف الجدل
والجدل والجدال : المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة لإلزام الخصم ، أصله من جدلت الحبل : أي أحكمت فتله ، فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه .
وقد ذكره الله في القرآن على أنه من طبيعة الإنسان في قوله : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ، أي خصومة ومنازعة .
وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجادل المشركين بالطريقة الحسنة التي تلين عريكتهم في قوله : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن .
[ ص: 294 ] وأباح مناظرة أهل الكتاب بتلك الطريقة في قوله : ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن .
ومثل هذا من قبيل المناظرة التي تهدف إلى إظهار الحق ، وإقامة البرهان على صحته ، وهي الطريقة التي يشتمل عليها جدل القرآن في هداية الكافرين وإلزام المعاندين ، بخلاف مجادلة أهل الأهواء فإنها منازعة باطلة ، قال تعالى : ويجادل الذين كفروا بالباطل .