[ ص: 212 ] - 13-
العام والخاص :
للنظم التشريعية والأحكام الدينية مقاصد تهدف إليها ، وقد يجتمع للحكم التشريعي خصائص تجعله عاما يشمل كل الأفراد ، أو ينطبق على جميع الحالات ، وقد يكون لذلك القصد غاية خاصة فالتعبير عنه يتناول بعمومه الحكم ثم يأتي ما يبين حده أو يحصر نطاقه ، والبيان العربي في تلوين الخطاب وبيان المقاصد والغايات مظهر من مظاهر قوة اللغة واتساع مادتها . فإذا ورد هذا في كلام الله المعجز كان وقعه في النفس عنوان إعجاز تشريعي مع الإعجاز اللغوي .
وصيغ العموم : تعريف العام
العام : هو اللفظ المستغرق لما يصلح له من غير حصر وقد اختلف العلماء في معنى العموم ، أله في اللغة صيغة موضوعة له خاصة به تدل عليه أم لا ؟
فذهب أكثر العلماء إلى أن هناك صيغا وضعت في اللغة للدلالة حقيقة على العموم ، وتستعمل مجازا فيما عداه ، واستدلوا على ذلك بأدلة نصية ، وإجماعية ومعنوية .
أ- فمن الأدلة النصية قوله تعالى : ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك ، ووجه الدلالة أن نوحا عليه السلام توجه بهذا النداء تمسكا منه بقوله [ ص: 213 ] تعالى : قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ، وأقره الله تعالى على هذا النداء ، وأجابه بما دل على أنه ليس من أهله ، ولولا أن إضافة الأهل إلى نوح للعموم لما صح ذلك .
ومنها قوله تعالى : ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ، ووجه الدلالة أن إبراهيم فهم من قول الملائكة : " أهل هذه القرية " العموم ، حيث ذكر " لوطا " فأقره الملائكة على ذلك ، وأجابوه بتخصيص لوط وأهله بالاستثناء ، واستثناء امرأته من الناجين ، وذلك كله يدل على العموم .
ب- ومن الأدلة الإجماعية إجماع الصحابة على إجراء قوله تعالى : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، وقوله : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ، ونحو ذلك على العموم في كل زان وسارق .
جـ- ومن الأدلة المعنوية ، أن العموم يفهم من استعمال ألفاظه ، ولو لم تكن هذه الألفاظ موضوعة له لما تبادر إلى الذهن فهمه منها ، كألفاظ الشرط والاستفهام والموصول .
وإننا ندرك الفرق بين " كل " و " بعض " ولو كان " كل " غير مفيد للعموم لما تحقق الفرق .
ولو قال قائل في النكرة المنفية " لا رجل في الدار " فإنه يعد كاذبا إذا قدر أنه رأى رجلا ما ، كما ورد قوله تعالى : قل من أنزل الكتاب الذي جاء به [ ص: 214 ] موسى . تكذيبا لما قال : ما أنزل الله على بشر من شيء ، وهذا يدل على أن النكرة بعد النفي للعموم ، ولو لم تكن للعموم لما كان قولنا : " لا إله إلا الله " توحيدا لعدم دلالته على نفي كل إله سوى الله تعالى “ .
وبناء على هذا فللعموم صيغه التي تدل عليه .
منها " كل " كقوله تعالى : كل نفس ذائقة الموت ، وقوله : الله خالق كل شيء ، ومثلها " جميع " .
ومنها : المعرف بـ " ال " التي ليست للعهد كقوله : والعصر إن الإنسان لفي خسر ، أي كل إنسان ، بدليل قوله بعد : إلا الذين آمنوا .
وقوله : وأحل الله البيع .
وقوله : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما .
ومنها : النكرة في سياق النفي والنهي كقوله : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج .
وقوله : فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما .
أو في سياق الشرط كقوله : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله .
ومنها : " الذي " و " التي " وفروعهما كقوله : والذي قال لوالديه أف لكما . أي كل من قال ذلك بدليل قوله بعد بصيغة الجمع : أولئك الذين حق عليهم القول .
[ ص: 215 ] وقوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما .
وقوله : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن .
وأسماء الشرط كقوله تعالى : فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ، للعموم في العاقل .
وقوله : وما تفعلوا من خير يعلمه الله ، للعموم في غير العاقل .
وقوله : وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ، للعموم في المكان .
وقوله : أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ، للعموم في الأسماء . ومنها : اسم الجنس المضاف إلى معرفة كقوله : فليحذر الذين يخالفون عن أمره ، أي كل أمر لله ، وقوله : يوصيكم الله في أولادكم . "