( قوله ) لحديث الصحيحين { : ويثبت رمضان برؤية هلاله أو بعد شعبان ثلاثين يوما } والوجه في إثبات الرمضانية والعيد أن يدعي عند القاضي بوكالة رجل معلقة بدخول رمضان بقبض دين فيقر الخصم بالوكالة وينكر دخول رمضان فيشهد الشهود بذلك فيقضي القاضي عليه بالمال فيثبت مجيء رمضان ; لأن إثبات مجيء رمضان لا يدخل تحت الحكم حتى لو صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما يقبل ويأمر الناس بالصوم يعني في يوم الغيم أخبر رجل عدل القاضي بمجيء رمضان
ولا يشترط لفظ الشهادة وشرائط القضاء أما في العيد فيشترط لفظ الشهادة ، وهو يدخل تحت [ ص: 284 ] الحكم ; لأنه من حقوق العباد كذا في الخلاصة من كتاب الشهادات وبهذا علم أن عبارة المصنف في الوافي أولى وأوجز ، وهي : ويصام برؤية الهلال أو إكمال شعبان ; لأن الصوم لا يتوقف على الثبوت وليس يلزم من رؤيته ثبوته لما تقدم أن مجرد مجيئه لا يدخل تحت الحكم ، ولم يتعرض لوجوب التماسه ، ولا شك في وجوبه على الناس وجوب كفاية ، وينبغي في كلام بعضهم بمعناه ووقته ليلة الثلاثين ; ولهذا قال في الاختيار : يجب التماسه في اليوم التاسع والعشرين وقت الغروب ، وقول بعضهم في التاسع والعشرين تساهل نعم لو رئي في التاسع والعشرين بعد الزوال كان كرؤيته ليلة الثلاثين اتفاقا ، وإنما الخلاف في رؤيته قبل الزوال يوم الثلاثين فعند أبي حنيفة هو للمستقبلة ومحمد
وعند هو للماضية والمختار قولهما لكن لو أفطروا لا كفارة عليهم ; لأنهم أفطروا بتأويل ذكره أبي يوسف قاضي خان ، وفي الفتاوى الظهيرية وتكره الإشارة عند رؤية الهلال تحرزا عن التشبه بأهل الجاهلية .
وأشار المصنف إلى أنه لا عبرة بقول المنجمين قال في غاية البيان : ومن قال : يرجع فيه إلى قولهم فقد خالف الشرع ; لأنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { محمد } ( قوله : ولا يصام يوم الشك إلا تطوعا ) وهو استواء طرفي الإدراك من النفي والإثبات ، وموجبه هنا أحد أمرين إما أن يغم عليهم هلال رمضان ، أو هلال شعبان فأكملت عدته ، ولم ير هلال رمضان ; لأن الشهر ليس الظاهر فيه أن يكون ثلاثين بل يكون تسعة وعشرين كما يكون ثلاثين فيستوي هاتان الحالتان بالنسبة إليه كما يعطيه الحديث المعروف في الشهر فاستوى الحال حينئذ في الثلاثين أنه من المنسلخ أو المستهل إذا كان غيم فيكون مشكوكا بخلاف ما إذا لم يكن ; لأنه لو كان من المستهل لرئي عند الترائي فلما لم ير كان الظاهر أن المنسلخ ثلاثون فيكون هذا اليوم منه غير مشكوك في ذلك كذا ذكروا من أتى كاهنا أو منجما فصدقه بما قال فهو كافر بما أنزل على
وقد قدمنا عن البدائع أن كونه ثلاثين هو الأصل ، والنقصان عارض ; ولهذا وجب على المريض الذي أفطر رمضان قضاء ثلاثين يوما إذا لم يعلم صوم أهل بلده فلو كان على السواء لم يلزم الزائد بالشك ; لأن ظهور كونه كاملا إنما هو عند الصحو أما عند الغيم فلا إلا أن [ ص: 285 ] يقال : الأصل الصحو والغيم عارض ، ولا عبرة به قبل تحققه ، وهم إنما ذكروا التساوي عند تحقق الغيم ، ولم يتعرض لصفة صوم غير التطوع ، ولا لصفته من الإباحة والاستحباب أما صوم غير التطوع ، فإن جزم بكونه عن رمضان كان مكروها كراهة تحريم للتشبه بأهل الكتاب ; لأنهم زادوا في صومهم ، وعليه حمل حديث النهي عن التقدم بصوم يوم أو يومين ، وفي استحبابه إن وافق صوما كان يعتاده على الأصح ، ويجزئه إن بان أنه من رمضان لما تقدم ، وإلا فهو تطوع غير مضمون بالإفساد ; لأنه في معنى المظنون ، وإن جزم بكونه عن واجب آخر فهو مكروه كراهة تنزيه التي مرجعها خلاف الأولى ; لأن النهي عن التقدم خاص بصوم رمضان لكن كره لصورة النهي المحمول على رمضان فإن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه لما عرف إن كان مقيما وإلا أجزأه عن الذي نواه كما لو ظهر أنه من شعبان على الأصح
وإن جزم بالتطوع فلا كلام في عدم كراهته وإنما الخلاف في استحبابه إن لم يوافق صومه والأفضل أن يتلوم ، ولا يأكل ، ولا ينوي الصوم ما لم يتقارب انتصاف النهار فإن تقارب ، ولم يتبين الحال اختلفوا فيه فقيل الأفضل صومه وقيل فطره وعامة المشايخ على أنه ينبغي للقضاة والمفتين أن يصوموا تطوعا ، ويفتوا بذلك خاصتهم ويفتوا العامة بالإفطار ، وكان محمد بن سلمة وأبو نصر يقولان : الفطر أحوط ; لأنهم أجمعوا أنه لا إثم عليه لو أفطروا واختلفوا في الصوم قال بعضهم : يكره ويأثم كذا في الفتاوى الظهيرية ، وقولهم : يصوم القاضي والمفتي المراد أنه يصوم من تمكن من ضبط نفسه عن الإضجاع عن النية وملاحظة كونه عن الفرض إن كان غد من رمضان ; ولهذا قالوا : ويفتوا بالصوم خاصتهم وأما إذا ردد فإن كان في أصلها كأن نوى أن يصوم غدا عن رمضان إن كان رمضان وإلا فليس بصائم وهذه صحيحة فليس بصائم ، وفي الفتاوى الظهيرية
وعن ينبغي أن يغرم ليلة يوم الشك على أنه إن كان غد من رمضان فهو صائم عن رمضان ، وإن لم يكن من رمضان فليس بصائم ، وهذا مذهب أصحابنا ا هـ . محمد
وإن ردد في وصفها فله صورتان أحدهما ما إذا ، وهو مكروه لتردده بين مكروهين فإن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه وإلا كان تطوعا غير مضمون بالإفساد ، ولا يكون عن الواجب لعدم الجزم به والثانية إذا نوى أن يصوم عن رمضان إن كان منه وإلا فتطوع فهو مكروه لنية الفرض من وجه ، فإن ظهر أنه منه أجزأه ، وإلا فتطوع غير مضمون لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه ، ولم يتعرض نوى أن يصوم عن رمضان إن كان غد منه وإلا فعن واجب آخر المصنف لصوم ما قبله وصرح في الكافي بأنه إن وافق يوم الشك صوما كان يصومه فالصوم أفضل وكذا إن صام كله أو نصفه أو ثلاثة من آخره ، ولم يقيد بكون صوم الثلاثة عادة وصرح في التحفة بكراهة لمن ليس له عادة لقوله عليه السلام { الصوم قبل رمضان بيوم أو يومين } وإنما كره خوفا من أن يظن أنه زيادة على رمضان إذا اعتادوا ذلك فالحاصل أن من له عادة فلا كراهة في حقه مطلقا ، ومن ليس له عادة فلا كراهة في التقدم بثلاثة فأكثر ويكره في اليوم واليومين ، وأما صوم الشك فلا يكره بنية [ ص: 286 ] التطوع مطلقا . لا تتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يوافق صوما كان يصومه أحدكم