قال رحمه الله ( وكتابة عبده ) يعني ; لأن الكتابة عقد اكتساب للمال فيملكها كما يملك البيع ، وقد يكون الكتابة أنفع من البيع إذ البيع يزيل الملك بنفسه والكتابة لا تزيل إلا بعد وصول البدل فإذا جاز البيع فأولى أن تجوز الكتابة ، وقال يملك المكاتب أن يكاتب عبده لا يملك ; لأن العقد لا يتضمن مثله ; ولأنه يئول إلى العتق وليس له أن يعتق على مال قلنا إنما ملكه على أن الكتابة بيع من نفس العبد وإنما لا يملك الإعتاق على مال وتعليق العتق على أداء المال ; لأن فيه إثبات الحرية مقصودة وفي الزيادات الشافعي [ ص: 53 ] فهي مكاتبة على حالها للمكاتب الأعلى والمكاتب الأعلى مكاتب للمكاتب الأسفل ; لأنه يصح إقراره على نفسه بالرق ; لأن حريته لم تثبت بدليل إلا أنه غير مصدق في حق المكاتب لما فيه من إبطال حق المكاتب فبقي حرا في حق المكاتب مكاتبا للحر لا لعبد مكاتبه ، وهذا كمجهولة النسب إذا أقرت بالرق لإنسان لم يبطل نكاحها ويؤدي المكاتب الأعلى بدل الكتابة إلى المكاتب الأسفل ; لأن مجهول النسب لما أقر بالرق لها صار هو وجميع أكسابه مملوكا لها وبدل الكتابة من جملة أكسابه ومتى صار مجهول النسب عبدا في حق هذا الحكم لا يبرأ المكاتب إلا بالأداء إلى المكاتبة والمكاتبة تؤدي مكاتبتها إلى المكاتب الأعلى . رجل مجهول النسب اشترى عبدا فكاتبه فاشترى المكاتب أمة فكاتبها ، ثم أقر المولى الأعلى المجهول النسب أنه عبد للمكاتب
ثم المسألة لا تخلو إما أن يؤديا متعاقبا أو معا فإن أديا متعاقبا فأيهما أدى أولا إلى صاحبه عتق ولا يكون ولاؤه لأحد ; لأن ما عداه إما عبد أو مكاتب وهما ليسا من أهل الولاية وأيهما أدى آخرا عتق وولاؤه للأول ; لأنه لما صار حرا صار أهلا للولاء وإن أديا معا عتقا ولا ولاء لأحدهما على الآخر ; لأن عتق كل واحد منهما قرن بعتق صاحبه فلا يكون أحدهما أهلا للولاء حال عتق صاحبه وإن عجز أحدهما صار مملوكا للآخر ; لأنه إن عجز المكاتب صار مملوكا للمكاتبة ; لأنه من كسب مجهول النسب وإن عجزت المكاتبة فقد صارت أمة للمتكاتب والمقر عبدهما فصارا جميعا للمكاتب وإن عجزا معا عتقت المكاتبة وصار المجهول مع المكاتب عبدين لها ; لأن المكاتب أقر برقبته لمجهول النسب ومجهول النسب أقر برقبته وجميع أكسابه للمكاتبة فقد صار المكاتب مقرا برقبته للمكاتب والمكاتبة لما قبلت المكاتبة من المكاتب فقد أقرت برقبتها للمكاتب فقد اجتمع إقرارها وإقرار المكاتب سابق على إقرار مجهول النسب وآخر الإقرارين ناسخ لأولهما ; لأن للآخر رد الأول ولم يوجد الرد للثاني فصح فصار الاعتبار لإقرار مجهول النسب ; لأنه آخرهما ، وهذا كرجل فهما جميعا مملوكان لعبد مجهول النسب أقر بالرق للمكاتبة والمولى للمكاتبة وهو مجهول النسب أقر بأنه مملوك لعبد رجل وأقر مولى العبد وهو مجهول النسب أنه مملوك لهذا المقر صارا مملوكين للمكاتبة ا هـ . المكاتب أقر للمكاتب بالرق لمجهول النسب
مختصرا قال رحمه الله ( والولاء له إن أدى بعد عتقه ) ; لأن الولاء لمن أعتق وعتيقه المكاتب الأول وهو أهل للولاء عند عتق الثاني وكان ملكه تاما فيه عند ذلك فثبت له ضرورة وفي شرح وإن أديا معا عتقا وثبت ولاؤهما من المولى وفي الأصل وإن عجز الأول ورد في الرق ولم يؤد الثاني مكاتبته بعد بقي الثاني مكاتبا على حاله ونظيره الطحاوي بقي الثاني يصير مملوكا للمولى على الحقيقة فلو أعتقه نفذ عتقه ، ولو كان الأول لم يعجز ، ولكن مات قبل الأداء ولم يؤد الثاني مكاتبته أيضا فهو على وجهين إن ترك الأول مالا كثيرا سوى ما على المكاتب الثاني وبه وفاء ببدل الكتابة وفي هذا الوجه لا تنفسخ كتابته فيؤدي كتابته ويحكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته وما بقي يكون لورثته الأحرار وإن لم يكن له وارث فلمولاه ويؤدي الثاني مكاتبته إلى وارث المكاتب الأول ، وإذا أدى وعتق كان ولاؤه لابن المكاتب حيث يرث ورثته . المذكور الثاني إذا مات ولم يترك وفاء سوى ما ترك على المكاتب الثاني وهو لا يخلو من وجهين إن كان مكاتبة الثاني أقل من مكاتبة الأول ففي هذا الوجه تنفسخ مكاتبة الأول ويكون عبدا ويبقى الثاني مكاتبا للمولى وإن كان مكاتبة الثاني مثل مكاتبة الأول أو أكثر منه . العبد المأذون له إذا أذن لعبده في التجارة ، ثم حجر على الأول
وهذا الوجه لا يخلو إما إن حل مكاتبة الثاني وقت موت الأول فتنفسخ كتابة الأول فيؤدي الثاني إلى المولى ويحكم بحرية الثاني للحال وبحرية الأول في آخر جزء من أجزاء حياته وما بقي من مكاتبة الثاني تكون لورثة المكاتب الأول إن كان له وارث حر ويكون ولاء الثاني للمكاتب الأول لا لمولى المكاتب الأول وإن حل المكاتب للثاني بعد موت المكاتب الأول إن كان له وارث وإن لم يطلب المولى الفسخ من القاضي حتى حلت فالجواب فيه كالجواب فيما إذا مات الأول ، وقد حل ما على الثاني وإن طلب من القاضي الفسخ تفسخ كتابة الأول فظهر قول المؤلف لو قال أو عتقا معا بأداء مكاتبتهما لكان أولى ليفيد أن الولاء له في الحالتين وفي نوادر عن ابن سماعة إذا محمد ينظر في الولاء والميراث إلى يوم أدى الكتابة ا هـ . مات الأول ، وقد حل ما على الثاني ، وقد ترك وفاء إلا أنه دين على الناس ولم يخرج الدين حتى أدى الأسفل إلى الأعلى
وفي المحيط فإن مات الأول عن ابن ولم يترك [ ص: 54 ] إلا ما على الثاني ومات الثاني وترك ولدا مولودا في الكتابة يسعى فيما بقي على أبيه ويؤدي إلى المولى من مكاتبة الأول فإن فضل شيء يكون لابن الأول ويحكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته وعتق الولد الأول مع عتق أبيه وولاء الثاني لابن الأول ، ولو جاز ; لأنها مملوكة فإن ولدت فهو معها في الكتابة ومع الأب أيضا بخلاف ما لو اشترى المكاتب امرأته فكاتبها فالولد يتبع الأم كالحر قال رحمه الله ( وإلا لسيده ) يعني إذا أدى الثاني قبل أن يعتق الأول كان الولاء لسيد الأول لا للمكاتب ; لأنه يقدر جعل المكاتب معتقا لكونه رقيقا فيلحقه فيه أقرب الناس إليه وهو مولاه كما لو اشترى العبد المأذون له شيئا فإنه لا يملك لعدم الأهلية ويلحقه فيه مولاه ; لأنه أقرب الناس إليه ، ولو أدى الأول بعد لا يتحول عتق المعتق إلى غيره بخلاف جر الولاء في ولد الجارية فإن مولى الجارية هناك ليس بمعتق مباشرة ، بل تسببا باعتبار إعتاق الأصل وهي الأم والأصل أن الحكم لا يضاف إلى السبب إلا عند تعذر الإضافة إلى العلة والتعذر عند عدم عتق الأب ، وإذا أعتق زالت الضرورة فيحول الولاء إلى قوم الأب ، وقال في المحيط وولاء العتاقة متى ثبت على أحد لا يحتمل النقل إلى غيره كالنسب . كاتب أمه وعبدا هو زوجها كتابة واحدة فولدت