10 - قوله: (ع): "بل أزيد على هذا وأقول: الظاهر أن لم يرد برد الصدقة حديث البخاري - رضي الله تعالى عنه - المذكور في بيع المدبر وإنما أراد - والله أعلم - حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - في الرجل الذي دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه... " الحديث. جابر
[ ص: 355 ] وهو حديث ضعيف رواه وغيره. انتهى. الدارقطني
فيه أمور:
أحدها: أن لم يرو قصة الداخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه من حديث الدارقطني - رضي الله تعالى عنه - أصلا، وإنما رواه من حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - . أبي سعيد الخدري
وسبب هذا الاشتباه في هذا أن القصة شبيهة بحديث - رضي الله تعالى عنه - في قصة جابر سليك الغطفاني التي أخرجها أصحاب الحديث الصحيح وغيرهم من حديث والدارقطني - رضي الله تعالى عنه - لكن ليس فيها قصة المتصدق ورد الصدقة عليه. جابر
ثانيها: أن الحديث المذكور عند مع كونه ليس من حديث الدارقطني - رضي الله تعالى عنه - وإنما هو من حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - ليس ضعيفا، بل هو صحيح أخرجه أبي سعيد [ ص: 356 ] النسائي وابن ماجه وصححه والترمذي في صحيحه ابن حبان كلهم من حديث والحاكم عن محمد بن عجلان عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن - رضي الله تعالى عنه - قال: أبي سعيد الخدري . جاء رجل يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب - بهيئة بذة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أصليت؟ " قال: لا. قال - صلى الله عليه وسلم - : "صل ركعتين"
وحث الناس على الصدقة قال: فألقى أحد ثوبيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لفظ جاء هذا يوم الجمعة (يعني التي قبلها) بهيئة بذة، فأمرت الناس بالصدقة (فألقوا ثيابا فأمرت له منها بثوبين ثم جاء الآن فأمرت الناس بالصدقة فألقى أحدهما فانتهره وقال: خذ ثوبك) . النسائي
ثالثها: نفيه أن يكون أراد بحديث البخاري - رضي الله تعالى عنه - حديثه في بيع المدبر ليس بجيد. جابر
بل الظاهر أنه أراده. وقد سبق مغلطاي إلى ذلك في شرح ابن بطال البخاري وعبد الحق في أواخر الجمع بين الصحيحين وغيرهما ولا [ ص: 357 ] يلزمه به منه ما ألزمه المعترض الذي تعقب الشيخ كلامه على ما سنبينه.
وبيان ذلك: أن حديث - رضي الله تعالى عنه - في بيع المدبر قد اتفق الشيخان على تخريجه من طرق عن جابر عطاء بن أبي رباح عنه، وأخرجه وعمرو بن دينار من طريق البخاري عن محمد بن المنكدر - رضي الله تعالى عنه - [ ص: 358 ] وليس في رواية واحد منهم زيادة على قصة بيعه وإعطائه الثمن لصاحبه. جابر
ورواه منفردا من طريق مسلم عن أبي الزبير - رضي الله تعالى عنه - فزاد فيه زيادة ليست عند جابر . البخاري
ولفظه: بني عذرة عبدا له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ألك مال غيره؟ قال: لا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي - رضي الله عنه - بثمانمائة درهم فجاء بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعها إليه، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : "ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا" . أعتق رجل من
فهذه الزيادة من حديث عن أبي الزبير - رضي الله تعالى عنه - في قصة المدبر فيها إشعار بمعنى ما علقه جابر من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد على المتصدق صدقته قبل النهي ثم نهاه، لكن ليس في هذا تصريح بالنهي. البخاري
فإن كان هو الذي أراده فلا حرج عليه في عدم جزمه به لأن راوي الزيادة وهو البخاري ليس ممن يحتج به على شرطه وعلى تقدير صلاحيته [ ص: 359 ] عنده للحجة فقد تقدم أنه ربما علق الحديث بالمعنى أو بالاختصار فلا يجزم به بل يذكره بصيغة التمريض للاختلاف في ذلك كما قرره الشيخ، فعلى كل تقدير لا يتم للمعترض اعتراضه. أبو الزبير
رابعها: ظهر لي بالتعليق البخاري السابق عن مراد - رضي الله تعالى عنه - حديث آخر غير حديث المدبر. جابر
وهو ما أخبرني به إبراهيم بن محمد المؤذن بمكة أن أحمد بن أبي طالب أخبرهم أنا أنا عبد الله بن عمر أنا أبو الوقت أبو الحسن بن داود أنا أنا عبد الله بن أحمد إبراهيم بن خريم أنا ، ثنا عبد بن حميد ثنا يعلى بن عبيد محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن - رضي الله تعالى عنهما - قال: جابر بن عبد الله . بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل بمثل البيضة من الذهب أصابها في بعض المعادن، فجاء بها إلى رسول الله - صلى [ ص: 360 ] الله عليه وسلم - من ركنه الأيمن فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خذها مني صدقة فوالله ما لي مال غيرها، فأعرض - صلى الله عليه وسلم - عنه ثم جاء من ركنه الأيسر فقال مثل ذلك، فجاءه من بين يديه فقال مثل ذلك فقال - صلى الله عليه وسلم - : "هاتها" مغضبا فحذفه بها، فلو أصابه بها لعقره أو أوجعه، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : "يأتي أحدكم بماله كله لا يملك غيره فيتصدق به ثم يقعد بعد ذلك يتكفف الناس. إنما الصدقة عن ظهر غنى خذه لا حاجة لنا به" [قال] فأخذ الرجل ماله فذهب
وهذا الحديث رواه في مسنده أحمد وأبو داود في السنن والدارمي وابن خزيمة في صحيحهما وابن حبان في مستدركه كلهم من طريق والحاكم به. يزيد بعضهم على بعض في سياقه، ورواة إسناده ثقات محمد بن إسحاق مشهور ولم أره من حديثه إلا معنعنا ثم رأيته في مسند ومحمد بن إسحاق مصرحا فيه بالتحديث [ ص: 361 ] وسياقه أنسب وأشبه بمراد أبي يعلى من الذي قبله. البخاري
والمتن الذي أورده الشيخ مناسب للمراد إلا أنه ليس من حديث - رضي الله تعالى عنه - كما بيناه - والله أعلم - . جابر
لطيفة:
الرجل الذي جاء بالبيضة هو حجاج بن علاط السهمي - رضي الله تعالى عنه – رواه من رواية بعض أحفاده عن أبيه عن جده إلى أن انتهى إلى عبد الغني بن سعيد الأزدي الحجاج بن علاط - رضي الله عنه - أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بلبنة من ذهب أصابها من كنز فذكر الحديث.