الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4651 [ 2472 ] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، وأعمالكم" .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 539 )، ومسلم (2564) (34).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ") نظر الله تعالى الذي هو رؤيته للموجودات ، واطلاعه عليها لا يخص [ ص: 538 ] موجودا دون موجود ، بل يعم جميع الأشياء ؛ إذ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء . ثم قد جاء في الشرع نظر الله تعالى بمعنى : رحمته للمنظور إليه ، وبمعنى : قبول أعماله ، ومجازاته عليها . وهذا هو النظر الذي يخص به بعض الأشياء ، وينفى عن بعضها ، كما قال تعالى : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة [آل عمران: 77] وقد تقدم ذلك في كتاب الإيمان . فقوله هنا : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم " أي : لا يثيبكم عليها ، ولا يقربكم منه ، ذلك كما قال تعالى : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى [سبأ: 37] ثم قال : إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون [سبأ: 37].

                                                                                              ويستفاد من هذا الحديث فوائد :

                                                                                              إحداها : صرف الهمة إلى الاعتناء بأحوال القلب وصفاته ؛ بتحقيق علومه ، وتصحيح مقاصده وعزومه ، وتطهيره عن مذموم الصفات ، واتصافه بمحمودها ؟ فإنه لما كان القلب هو محل نظر الله تعالى فحق العالم بقدر اطلاع الله تعالى على قلبه أن يفتش عن صفات قلبه وأحوالها ؛ لإمكان أن يكون في قلبه وصف مذموم يمقته الله بسببه .

                                                                                              الثانية : أن الاعتناء بإصلاح القلب وبصفاته مقدم على الأعمال بالجوارح ؛ لتخصيص القلب بالذكر مقدما على الأعمال ، وإنما كان ذلك لأن أعمال القلوب هي المصححة للأعمال ؛ إذ لا يصح عمل شرعي إلا من مؤمن عالم بمن كلفه ، مخلص له فيما يعمله ، ثم لا يكمل ذلك إلا بمراقبة الحق فيه ، وهو الذي عبر عنه بالإحسان ، حيث قال : " أن تعبد الله كأنك تراه " . وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم : " إن في [ ص: 539 ] الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب " .

                                                                                              الثالثة : أنه لما كانت القلوب هي المصححة للأعمال الظاهرة ، وأعمال القلب غيب عنا ، فلا يقطع بمغيب أحد ؛ لما يرى عليه من صور أعمال الطاعة أو المخالفة ، فلعل من يحافظ على الأعمال الظاهرة يعلم الله تعالى من قلبه وصفا مذموما لا تصح معه تلك الأعمال ، ولعل من رأينا عليه تفريطا أو معصية يعلم الله من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه ، فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية ، ويترتب عليها عدم الغلو في تعظيم من رأينا عليه أفعالا صالحة ، وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالا سيئة ، بل تحتقر وتذم تلك الحالة السيئة ، لا تلك الذات المسيئة . فتدبر هذا ؛ فإنه نظر دقيق .




                                                                                              الخدمات العلمية