مسألة [ الجهل ] يطلق ويراد به عدم العلم عما من شأنه أن يعلم . ويسمى بسيطا . وقيل : لا يطلق عليه جهل . واختاره الجهل ابن السمعاني على ما سيأتي . وقيل : إن هذا التعريف غير مانع لدخول الظن عند من لا يراه علما ، والشك والغفلة ، وإصلاحه عدم كل علم أو ظن أو شك أو وقف عما من شأنه أن يكون معلوما أو مظنونا أو مشكوكا أو موقوفا فيه ممن شأنه أن يوصف بذلك [ ص: 101 ] ويطلق ويراد به الاعتقاد الباطل ، ويسمى مركبا . وقال الآمدي : اعتقاد المعتقد على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر ، ونقض بالنظر المطابق عكسا ، فإن الناظر ما لم يكن عالما أو ظانا فهو جاهل ; لكونه ضدا لهما عنده فيكون الناظر إذن جاهلا مع أن اعتقاده مطابق . وهو بالمعنى الأول عدمي يقابل العلم تقابل العدم والملكة . وبالثاني وجودي يقابل العلم تقابل الضدين ، والثاني يقال فيه : أخطأ وغلط ، ومخاطبته مخاطبة عناد ومخاطبة الأول مخاطبة تعليم . قال الرازي : والذي يمكنه طلب العلم هو صاحب الجهل البسيط ; لأنه لا يعلم . وأما المركب فإنه لا يطلب العلم ألبتة ; لأنه وإن كان لا يعلم إلا أنه يعتقد أنه يعلم ، فصار صارفا له عن طلبه ، وهل المنافاة بينهما ذاتية أو للصارف ؟ . فيه احتمالان . وقال السمعاني في الكفاية " اختلف في الجهل ، فقيل : هو عدم العلم وهو بعيد ، وقيل : تصور المعلوم بخلاف ما هو به . وقيل : اعتقاد المعلوم على خلاف ما هو عليه . انتهى . وقال ابن السمعاني في القواطع " : الجهل اعتقاد المعلوم على خلاف ما هو به ، ولا بأس بالاعتقاد في حد الجهل . ا هـ . وهذا تعريف للمركب فقط ، إذ البسيط لا اعتقاد فيه ألبتة ، فكأنه [ ص: 102 ] ليس بجهل عنده .
وكذلك فعل جماعة من أئمتنا ، وحكوا خلافا عن المعتزلة في أن ؟ فأكثر الجهل هل هو مثل العلم المعتزلة على أنه مثل له .
واحتجوا بأن من اعتقد كون زيد في الدار مثلا ، وليس هو فيها فإن اعتقاده الأول الذي هو جهل من جنس الثاني الذي علمه . وما به الافتراق من كون زيد في الدار إحدى الحالتين ، وعدمه في الأخرى أنه خارج عن موجب الاختلاف بين الاعتقادين ، وقد أجمعوا على أن اعتقاد المقلد للشيء على وفق ما هو عليه مثل العلم ، وهذا الكلام من المعتزلة لسنا نوافقهم عليه غير أنا نقول : اتفقوا على أن هذا مخصوص بالجهل المركب . أما البسيط إن قيل : إنه جهل ، فلا خلاف في كونه ليس مثلا للعلم ، فإن عدم الشيء لا يكون مثلا لذلك الشيء .