الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الآبق هل يؤخذ ليعرف؟ وهل يباع إن لم يوجد صاحبه أو يسرح؟ وفي أمد تعريفه والنفقة عليه واستحقاقه بالصفة

                                                                                                                                                                                        اختلف في أخذ الآبق وفي تسريحه بعد أخذه; فأما أخذه، فقال مالك: إن كان لأخ أو لجار أو لمن يعرف أخذه، وإن كان لمن لا يعرف فلا يقربه. قال ابن القاسم: إن كان لمن يعرف استحب له أخذه وهو في سعة من تركه .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في مدونته: إن كان سيده قريبا فأخذه أحب إلي، وإن تركه فهو في سعة، وإن كان بعيدا فتركه أحب إلي، فإن أخذه فهو في سعة .

                                                                                                                                                                                        وأما تركه بعد أخذه، فقال مالك في المدونة: إن أرسله ضمنه . وقاله ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون وابن عبد الحكم.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في العتبية: إن لم يجد صاحبه أرسله خير من أن يبيعه فيهلك ثمنه أو يطرح في السجن فلا يجد من يطعمه .

                                                                                                                                                                                        فرآه في سعة من تركه بخلاف الثوب والبعير; لأن الثوب لا كلفة في حمله، وكذلك البعير لا يتكلف له نفقة والرعي يجزئه حتى يوصله، وفي العبد وجوه [ ص: 3217 ] تكلف النفقة والاحتراز منه، فقد يسرق متاعه ويفر بنفسه، وإن كان شريرا خشي أن يقتله إن نام ويذهب، وإن قيده تكلف الكراء عليه. وإن كان لمن يعرف وهو على الأميال اليسيرة من موضع أبق منه فلا سعة له في تركه إن لم يخف منه. ومحمل قوله: إذا كان لمن لا يعرف ألا يقربه- أن ذلك لفساد الأئمة إن أنشده أخذه، ولا يخشى ذلك إن كان لمن يعرف; لأنه يبلغه إلى ربه بغير إنشاد.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في الآبق: يعرف سنة . يريد: إن كان له صنعة تقوم بنفقته ويعملها في موضع يعقل فيه، أو يكون إمام عدل ينفق عليه من بيت المال في زمن رجا إن أتى سيده فغرم تلك النفقة لم تضر النفقة بثمنه.

                                                                                                                                                                                        فإن لم تكن له صنعة، أو لم يكن بيت مال، أو كانت النفقة تجحف بثمنه، أو قال واجده: لا أتكلف حفظه سنة، ويخشى عليه إن رفع إلى السلطان، بيع قبل السنة، وكان التعريف باقيا.

                                                                                                                                                                                        وإن بيع بعد السنة فالقياس ألا يتصدق بثمنه حينئذ ولا ينفقه بخلاف اللقطة; لأن للقطة موضعا يتفقدها فيه صاحبها، فإذا مضت السنة ولم يأت كان قد أبلى عذره، والآبق لا يدري صاحبه أين توجه فيخصه بالطلب، فلم تأت السنة من ذلك على ما تأتي عليه في اللقطة، وإنما السنة طول فيما يتكلف من أمره، ويوقف الثمن عنده أو عند أمين، ولو رفع ذلك إلى السلطان جعل الثمن في بيت المال أو على يدي أمين. [ ص: 3218 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية