باب في المواضع التي تجب فيها الجمعة
الجمعة تجب في الأمصار والقرى العظام التي تشبه الأمصار، واختلف فيما سوى ذلك: فقال مرة: تقام في القرية المجتمعة التي قد اتصلت دورها وفيها الأسواق. وقال مرة: المتصلة البنيان. ولم يذكر الأسواق. مالك
وقال في سماع إذا كانت القرية بيوتها متلاصقة، وطرقها في وسطها، ولها أسواق، ومسجد يجمعون فيه الصلاة- فإنهم يجمعون الجمعة. أشهب:
وكل هذا جنوح إلى ما يشبه المدن; لأن الأصل ما أقيمت فيها، وإلى هذا ذهب سحنون: أنها تقام في المدن وما أشبهها.
وسئل عن القرى التي أحدثت فيها المنابر فقال: لا أرى ذلك; لأنه أمر اختلف فيه، ولو كان ذلك واجبا على أهل القرى لأقامها محمد بن سحنون إذ ولي كما أقامها لأهل قلشانة وسوسة وصفاقس، فما أجاز ذلك فيها إلا زحفا. وأنكر سحنون على ابن سحنون ابن طالب حين أقامها بأولج وقرقورية.
قال الشيخ: وقد أخبرني بعض أهل أولج أن بها عشرة مساجد، وقال الذي أجمع عليه يحيى بن عمر: وأصحابه أن الجمعة لا تقام إلا [ ص: 566 ] بثلاثة: المصر، والجماعة، والإمام الذي تخاف مخالفته، فمتى عدم شيء من هؤلاء لم تكن جمعة. مالك
فجميع هذه الروايات يشد بعضها بعضا، أنها إنما تقام بالمدن والأمصار وما كان من القرى يشبهها.
وراعى مرة العدد، فروى عنه مالك مطرف في كتاب وابن الماجشون أنه قال: إذا كانوا ثلاثين رجلا أو ما قاربهم جمعوا. ابن حبيب
قال وهو مثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا اجتمع ثلاثون بيتا..." والبيت: مسكن الرجل الواحد. ابن حبيب:
وفي مختصر ما ليس في المختصر قال: وعلى هذا لا يصلون الجمعة إلا أن يكونوا هذا القدر; لأن الجمعة أولى بطلب ذلك فيها. إذا كانت قرية فيها خمسون رجلا ومسجد يجمعون فيه الصلوات - فلا بأس أن يصلوا صلاة الخسوف،
وقال الشيخ لا حد لهم. وقال أبو بكر الأبهري: وليس عند أبو الحسن بن القصار: للجماعة التي تجب عليهم الجمعة حد محدود، غير أني رأيت مالك نصا: أنها لا تقام بالثلاثة ولا بالأربعة، وقال لمالك إنهم لا حد لهم، إلا أن يكونوا عددا يمكنهم الثواء وتتقرى بهم قرية. [ ص: 567 ] أبو محمد عبد الوهاب:
والرواية المتقدمة في مراعاة القرى ترد ما ذهب إليه البغداديون أنه لا حد لهم، وقد قال في المدونة في الأمير يمر بقرية لا تجب فيها الجمعة فجهل فجمع بهم: فلا جمعة له ولا لهم. مالك
ولم يختلف المذهب أن الجمعة مفارقة للصلوات الخمس، وأن ما سوى الجمعة يقام بالواحد والاثنين، وأن للجمعة حكما آخر، وصفة تطلب، وقدرا تقام الجمعة بحصوله وتسقط بعدمه، وإذا كان ذلك وجب ألا تقام إلا على صفة مجمع عليها، وأن الخطاب يتوجه بها، فمتى عدم لم تقم لمختلف فيه; لأن أصل الظهر أربع، فلا ينتقل عنه بمشكوك فيه.
وقال في أهل الخصوص، وهم جماعة، واتصال تلك الخصوص كاتصال البيوت: إنهم يجمعون الجمعة وإن لم يكن لهم وال. ولم يقل إذا كان لهم مسجد، وقال في العتبية: ليس على أهل العمود جمعة; لأنهم عنده ليس لهم قرار. مالك
ويختلف في أهل الخصوص والقرى الآن; لأنها ليست تشبه بالمدن، وقال مالك في سماع في حصون تكون على الساحل، فقال: إنما هي على أهل القرى والمدن، فأما غير أهل القرية، فلا أدري. [ ص: 568 ] ابن وهب
ولم ير على أهل المنستير جمعة، وقاله سحنون محمد بن عبد الحكم، وقال: لا تكون الجمعة إلا في العيال والولد والأسواق. وقال إذا كان الحصن على أكثر من فرسخ وفيه خمسون رجلا فأكثر جمعوا. زيد بن بشر: