وذهبت طائفة إلى الاقتصاد وفتحوا باب التأويل في كل ما يتعلق بصفات الله سبحانه ، وتركوا ما يتعلق بالآخرة على ظواهرها ومنعوا التأويل فيه ، وهم الأشعرية .
وزاد المعتزلة عليهم حتى أولوا من صفاته تعالى الرؤية ، وأولوا كونه : سميعا بصيرا وأولوا المعراج ، وزعموا أنه لم يكن بالجسد ولكن أقروا بحشر الأجساد وبالجنة واشتمالها على المأكولات والمشمومات والمنكوحات والملاذ المحسوسة وبالنار واشتمالها على جسم محسوس يحرق بحرق الجلود ويذيب الشحوم . وأولوا عذاب القبر والميزان والصراط وجملة من أحكام الآخرة
ومن ترقيهم إلى هذا الحد زاد الفلاسفة فأولوا كل ما ورد في الآخرة وردوه إلى آلام عقلية وروحانية ولذات عقلية ، وأنكروا حشر الأجساد وقالوا ببقاء النفوس وأنها تكون إما معذبة وإما منعمة ، بعذاب ونعيم لا يدرك بالحس وهؤلاء هم المسرفون .
وحد الاقتصاد بين هذا الانحلال كله وبين جمود الحنابلة دقيق غامض لا يطلع عليه إلا الموفقون الذين يدركون الأمور بنور إلهي لا بالسماع ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه وما خالف أولوه .
فأما من يأخذ معرفة هذه الأمور من السمع المجرد فلا يستقر له فيها قدم ولا يتعين له موقف .
والألبق بالمقتصر على السمع المجرد مقام رحمه الله . أحمد بن حنبل