[غزوة بدر]
ومن الحوادث في هذه السنة: بدر ، وكانت في صبيحة سبعة عشر يوما من رمضان يوم الجمعة . وقيل: تسعة عشر . والأول أصح . غزاة
قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا قال: أخبرنا ابن حيويه ابن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا قال: أخبرنا الفضل بن دكين زكريا ، عن عامر :
أن بدرا إنما كانت لرجل يدعى بدرا ، يعني: بئرا .
قال: وقال وأصحابنا من الواقدي أهل المدينة ومن يروي السيرة يقولون: بدر اسم الموضع .
وكان الذي هاج هذه الوقعة وغيرها من الحروب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين قتل عمرو بن الحضرمي . فتحين رسول الله صلى الله عليه وسلم انصراف العير التي طلبها بذي العشيرة ، فبعث طلحة ، وسعيد بن زيد يتحسسان خبرها ، فلما رجعا وجدا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج ، وكان قد ندب أصحابه وأخبرهم بما مع أبي سفيان من المال مع قلة عدده فخرج أقوام منهم لطلب الغنيمة ، وقعد آخرون لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا فلم يلمهم ، لأنه لم يخرج لقتال ، وكان خروجه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان - وقيل لثلاث خلون من رمضان - على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة ، المدينة عمرو بن أم مكتوم ، وخرجت معه الأنصار ولم يكن غزا بأحد منهم قبلها ، وضرب عسكره واستخلف على ببئر أبي عتبة على ميل من المدينة يعرض أصحابه ، ورد من [ ص: 98 ] استصغر ، عثمان على رقية وكانت مريضة ، وبعث وخلف طلحة وسعيدا على ما ذكر ، فقدما وقد فاتت بدر ، أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة ، وعاصم بن عدي على أهل العالية ، وخلف والحارث بن حاطب رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم ، والحارث بن الصمة كسر بالروحاء . وخوات بن جبير كسر أيضا ، وكل هؤلاء ضرب له سهمه وأجره ، وكانت الإبل معه سبعين ، يتعاقب النفير على البعير ، وكانت الخيل فرسين: فرس للمقداد ، وفرس لمرثد بن أبي مرثد . وفي رواية: وفرس للزبير .
وقد روى عن زر قال: ابن مسعود وكان كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير ، أبو لبابة وعلي زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالا: اركب حتى نمشي عنك . فيقول: "ما أنتما بأقوى مني على المشي ، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما" . قال العلماء: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له إلى المشركين: بسبس بن عمرو ، وعدي بن أبي الزغباء . وجعل على الساقة: قيس بن أبي صعصعة ، فلما بلغ أبا سفيان خروج رسول الله ليأخذ ما معه استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ليستنفر قريشا لأجل أموالهم ، فخرج ضمضم سريعا .
وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها ، فأخبرت بها أخاها العباس وأمرته أن يكتم ذلك . قالت: رأيت راكبا على بعير له حتى وقف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته: أن انفروا يا أهل غدر لمصارعكم في ثلاث . فاجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه ، فبينا هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة يصرخ بأعلى صوته: انفروا يا أهل غدر [ ص: 99 ] لمصارعكم في ثلاث ، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس ، فصرخ بمثلها ، ثم أخذ صخرة فأرسلها ، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت ، فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلت منها فلقة .
فقال لها العباس: اكتميها . ثم لقي - وكان صديقا له - فذكرها له واستكتمه ، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ، ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش . الوليد بن عتبة
فقال العباس: فلقيني أبو جهل فقال: يا أبا الفضل ، متى حدثت فيكم هذه النبية؟
قلت: وما ذاك؟ قال: الرؤيا التي رأت عاتكة . قلت: وما رأت؟ قال: يا بني عبد المطلب ، أما رضيتم أن تتنبى رجالكم حتى تتنبى نساؤكم؟! وقد زعمت عاتكة أنه قال: انفروا في ثلاث فنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يكن ما قالت حقا فسيكون ، وإن مضى الثلاث ، ولم يكن من ذلك شيء فنكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب .
قال العباس: فجحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا ، ثم تفرقنا ، فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ، ثم لم يكن عندك غيرة لما قد سمعت؟
فقلت: قد والله فعلت ذلك ، وايم الله لأتعرضن له ، فإن عاد لأكفيتكموه .
قال: فغدوت في اليوم الثالث من وأنا مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه ، فدخلت المسجد فرأيته ، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرض له ليعود لبعض ما قال ، فأقع فيه ، إذ خرج نحو باب المسجد يشتد ، فقلت في نفسي: ما له لعنه الله؟ أكل هذا فرقا من أن أشاتمه ، وإذا هو قد سمع ما لم أسمع: صوت رؤيا عاتكة ، ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره ، وشق قميصه ، وهو يقول: يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة ، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث .
قال: فشغلني عنه ، وشغله عني ما جاء من الأمر ، فتجهز الناس سراعا وقالوا: يظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كلا والله ليعلمن غير ذلك .
وكانوا بين رجلين: إما خارج ، وإما باعث مكانه رجلا ، وأوعبت قريش ولم [ ص: 100 ] يتخلف من أشرافها أحد ، إلا أن أبا لهب بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة ، وكان أمية بن خلف شيخا ثقيلا فأجمع القعود ، فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها نار ، فوضعها بين يديه ، ثم قال له: استجمر فإنما أنت من النساء ، قال: قبحك الله وقبح ما جئت به . ثم تجهز وخرج [مع] الناس ، فلما أجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين كنانة ، فقالوا: نخشى أن يأتونا من خلفنا . فتبدى لهم إبليس في صورة مالك بن جعشم ، وكان من أشراف كنانة ، فخرجوا سراعا معهم القيان والدفوف ، وكانوا تسعمائة وخمسين مقاتلا ، وكانت خيلهم مائة فرس .
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم ، فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش ، فقام أبو بكر فقال فأحسن ، ثم قام عمر فقال فأحسن ، ثم قام المقداد فقال: امض يا رسول الله لما أمرك الله ، فنحن معك ، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى "برك الغماد" - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا .
قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس ، أشيروا علي" وإنما يريد الأنصار ، وذلك أنهم قالوا حين بايعوه بالعقبة: إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا ، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا ، نمنعك مما نمنع به نساءنا وأبناءنا . ابن إسحاق
وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو ، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله لكأنك تريدنا يا رسول الله . قال: "أجل" قال: فقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك عهودنا على السمع والطاعة ، فامض لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله تعالى . سعد بن معاذ:
فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ، ثم قال: "سيروا على بركة الله ، [ ص: 101 ] وأبشروا فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم" .
ثم سار حتى نزل قريبا من بدر ، فنزل هو ورجل من أصحابه حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم؟ فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أخبرتنا أخبرناك" فقال: وذاك بذاك؟ فقال: "نعم" . قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن كان صدقني الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن كان الذي حدثني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به قريش - فلما خبره قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن من ماء" وانصرف .
قال مؤلف الكتاب: أوهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من العراق ، وكان العراق يسمى: ماء ، وإنما أراد به: خلق من نطفة ماء .
قال : ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ، فلما أمسى بعث ابن إسحاق علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون له الخبر ، فأصابوا راوية لقريش فيها: وسعد بن أبي وقاص أسلم غلام [بني] الحجاج ، وعرباص أبو سيار غلام [بني] العاص بن سعيد ، فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فسألوهما ، فقالوا: نحن سقاة قريش ، بعثوا بنا لنسقيهم من الماء . فرجا القوم أن يكونا لأبي سفيان ، فضربوهما ، فقالا: نحن لأبي سفيان فتركوهما ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: "إذا صدقاكم ضربتموهما ، وإذا كذباكم تركتموهما ، صدقا والله إنهما لقريش ، أخبراني أين قريش؟" قالوا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ، والكثيب العقنقل . قال: "كم القوم؟" قالا: كثير . قال: "كم عدتهم؟" قالا: لا ندري . قال: "كم ينحرون؟" قالا: يوما تسعا ويوما عشرا . قال: [ ص: 102 ] "القوم ما بين التسعمائة إلى الألف" قال: "فمن منهم من أشراف قريش؟" قالا: عتبة ، وشيبة ، وأبو البختري ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن عامر ، وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث ، وزمعة بن الأسود ، وأبو جهل ، وأمية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو ، وعمرو بن عبد ود . فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي الناس فقال:
"هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها" . وأما أبو سفيان فإنه أسرع بالعير على طريق الساحل ، وأقبلت قريش ، فلما نزلوا الجحفة رأى جهم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال: إني رأيت فيما يرى النائم ، أو أني بين النائم واليقظان ، إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ، ثم قال: قتل عتبة ، وشيبة ، وأبو الحكم بن هشام ، وأمية ، وفلان وفلان - فعد رجالا ممن قتل يومئذ من أشراف قريش - ورأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه .
قال: فبلغت أبا جهل ، فقال: وهذا [أيضا] نبي آخر من بني عبد المطلب ، سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا .
ولما رأى أبو سفيان [أنه] قد أحرز عيره أرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم ، وقد نجاها الله فارجعوا . فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدرا - وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام - فنقيم عليه ثلاثا ، وننحر الجزور ، ونطعم الطعام ، ونسقي الخمور ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبدا ، فامضوا .
فقال الأخنس بن شريق : يا بني زهرة ، قد نجا الله أموالكم فارجعوا ولا تسمعوا ما يقول هذا ، فرجعوا ولم يشهدها زهري . [ ص: 103 ]
وبلغ أبا سفيان قول أبي جهل فقال: وا قوماه ، هذا عمل عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - ثم لحق المشركين ، فمضى معهم فجرح يوم بدر جراحات ، وأفلت هاربا على قدميه ، ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل ، وبعث الله عز وجل السماء ، وكان الوادي دهسا ، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير ، وأصاب قريش منها ماء لم يقدروا على أن يرتحلوا معه .
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء ، حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به .
فحدثت عن رجال من بني سلمة : أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر قال: يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل ، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره ، أم هو الرأي في الحرب؟ قال: "بل هو الرأي [بالحرب] " فقال: يا رسول الله ، فإن هذا ليس لك بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم [فننزله ، ثم نغور ما سواه من القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ، ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون .
فنزل جبريل فقال: الرأي ما أشار به الحباب . فنهض ومن معه حتى أتى أدنى ماء من القوم] فنزل عليه ، وأمر بالقلب فغورت ، وبنى حوضا على القليب الذي كان عليه ، [ثم] قذفوا فيه الآنية . فحدثني عبد الله بن أبي بكر : قال: يا رسول الله ، أبني لك عريشا من جريد فتكون فيه ، وتعد عندك ركائبك ، ثم نلقى [عدونا] ، فإن أعزنا الله [ ص: 104 ] وأظهرنا كان ذلك ما أحببنا ، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا ، فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حبا لك منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك ، يمنعك الله تعالى بهم ، يناصحونك ويجاهدون معك . سعد بن معاذ
فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير ، وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش فكان فيه ، ثم أقبلت قريش ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها ، تحاربك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني" . أن
فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم على فرس له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوهم" . فما شرب منهم رجل إلا أسر أو قتل إلا حكيم بن حزام فإنه نجا على فرس له ، ثم أسلم ، فكان يقول إذا حلف: لا والذي نجاني يوم بدر . حكيم بن حزام ،
فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب اللخمي فقالوا: أحرز لنا أصحاب محمد ، فجال بفرسه نحو العسكر ، ثم رجع فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون ، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين ، فضرب في الوادي حتى أبعد ، فلم ير شيئا ، فرجع فقال: ما رأيت شيئا ، ولكني قد رأيت يا معشر قريش الولايا تحمل المنايا ، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع ، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ، والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل منكم رجالا ، فإذا أصابوا أعدادهم فما خير في العيش بعد ذلك ، فردوا رأيكم . فلما سمع ذلك مشى إلى حكيم بن حزام عتبة فقال: يا أبا الوليد ، إنك كبير قريش وسيدها ، هل لك في أن لا تزال تذكر بخير [إلى آخر] الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمي . قال: قد فعلت .
أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا [ ص: 105 ] قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال: أخبرنا قال: حدثني الزبير بن بكار عمامة بن عمرو السهمي ، عن مسور بن عبد الملك اليربوعي ، عن أبيه ، عن عن سعيد بن المسيب ، قال: خرجنا حتى إذا نزلنا حكيم بن حزام الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها ، وهي: زهرة ، فلم يشهد أحد من مشركيهم بدرا ، ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة ، فجئت عتبة بن ربيعة ، فقلت: يا أبا الوليد ، هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت؟ قال: أفعل ماذا؟ قلت: إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم الحضرمي وهو حليفك ، فتحمل بديته ، وترجع بالناس . ، فقال لي: فأنت وذاك ، فأنا أتحمل بدية حليفي ، فاذهب إلى ابن الحنظلية - يعني: أبا جهل - فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك؟
فجئته فإذا هو بجماعة من بين يديه ومن ورائه ، وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول: فسخت عقدي من بني عبد شمس ، وعقدي إلى بني مخزوم . فقلت له: يقول لك عتبة: هل لك أن ترجع بالناس عن ابن عمك؟ قال: أما وجد رسولا غيرك؟ فخرجت أبادر إلى عتبة ، وعتبة متكئ على إيماء بن رخصة ، وقد أهدى إلى المشركين عشر جزائر ، فطلع أبو جهل والشر في وجهه ، فقال لعتبة: انتفخ سحرك! فقال له عتبة: ستعلم! فسل أبو جهل سيفه ، فضرب به متن فرسه ، فقال إيماء بن رخصة: بئس الفأل هذا! فعند ذلك قامت الحرب .
أخبرنا أخبرنا ابن الحصين ، قال: أخبرنا ابن المذهب أحمد بن جعفر قال: أخبرنا قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد محمد بن جعفر قال: أخبرنا عن شعبة ، أبي إسحاق قال: سمعت حارثة بن مضرب يحدث عن رضي الله عنه قال: علي وما كان منا فارس يوم بدر غير المقداد بن الأسود . لقد رأيتنا ليلة بدر وما منا إنسان إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يصلي إلى [ ص: 106 ] شجرة ويدعو حتى أصبح ،
قال : وقام ابن إسحاق عتبة خطيبا فقال: يا معشر قريش ، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا ، فوالله لئن أصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه ، قتل ابن عمه أو ابن خاله ، أو رجالا من عشيرته ، فارجعوا أو خلوا بين محمد وسائر العرب ، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم ، فإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه لما تريدون .
قال حكيم: وجئت إلى أبي جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها ، فهو يهيئها ، فقلت: إن عتبة أرسلني بكذا وكذا ، فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمدا ، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، وما بعتبة ما قال ، لكنه قد رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور ، وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه - يعني أبا حذيفة بن عتبة وكان قد أسلم - ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال له: هذا حليفك ، يريد أن يرجع بالناس ، وقد رأيت ثأرك بعينك ، فقم فانشد مقتل أخيك .
فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ: وا عمراه! فحميت الحرب ، وطلب عتبة بيضة يدخلها رأسه فما وجد في الجيش بيضة تمنعه من عظم رأسه ، فاعتجز ببرد له .