قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ( فلما جاءهم الحق من عندنا ) ، يعني : فلما جاءهم بيان ما دعاهم إليه موسى وهارون وذلك الحجج التي جاءهم بها ، وهي الحق الذي جاءهم من عند الله ( قالوا إن هذا لسحر مبين ) ، يعنون أنه يبين لمن رآه وعاينه أنه سحر لا حقيقة له ( قال موسى ) ، لهم : ( أتقولون للحق لما جاءكم ) ، من عند الله ( أسحر هذا ) ؟ .
واختلف أهل العربية في سبب دخول ألف الاستفهام في قوله : ( أسحر هذا ) ؟ فقال بعض نحويي البصرة : أدخلت فيه على الحكاية لقولهم ، لأنهم قالوا : ( أسحر هذا ) ؟ فقال : أتقولون : ( أسحر هذا ) ؟ [ ص: 156 ]
وقال بعض نحويي الكوفة : إنهم قالوا : " هذا سحر " ولم يقولوه بالألف ، لأن أكثر ما جاء بغير ألف . قال : فيقال : فلم أدخلت الألف ؟ فيقال : قد يجوز أن تكون من قيلهم وهم يعلمون أنه سحر ، كما يقول الرجل للجائزة إذا أتته : أحق هذا ؟ وقد علم أنه حق . قال : وقد يجوز أن تكون على التعجب منهم : أسحر هذا ؟ ما أعظمه!
قال أبو جعفر : وأولى ذلك في هذا بالصواب عندي أن يكون المفعول محذوفا ، ويكون قوله : ( أسحر هذا ) ، من قيل موسى ، منكرا على فرعون وملئه قولهم للحق لما جاءهم : " سحر " ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : قال موسى لهم : ( أتقولون للحق لما جاءكم ) وهي الآيات التي أتاهم بها من عند الله حجة له على صدقه سحر ، أسحر هذا الحق الذي ترونه ؟ فيكون " السحر " الأول محذوفا ، اكتفاء بدلالة قول موسى ( أسحر هذا ) ، على أنه مراد في الكلام ، كما قال . ذو الرمة
فلما لبسن الليل ، أو حين نصبت له من خدا آذانها وهو جانح
يريد : أو حين أقبل ، ثم حذف اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، وكما قال جل ثناؤه : ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم ) [ سورة الإسراء : 7 ] ، والمعنى : بعثناهم ليسوءوا وجوهكم فترك ذلك اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، في أشباه لما ذكرنا كثيرة يتعب إحصاؤها .
وقوله : ( ولا يفلح الساحرون ) يقول : ولا ينجح الساحرون ولا يبقون .