فمن ذلك قول بجير بن زهير بن أبي سلمى :
لولا الإله وعبده وليتم حين استخف الرعب كل جبان بالجزع يوم حبا لنا أقراننا
وسوابح يكبون للأذقان من بين ساع ثوبه في كفه
ومقطر بسنابك ولبان والله أكرمنا وأظهر ديننا
وأعزنا بعبادة الرحمن والله أهلكهم وفرق جمعهم
وأذلهم بعبادة الشيطان
إذ قام عم نبيكم ووليه يدعون يا لكتيبة الإيمان
أين الذين هم أجابوا ربهم يوم العريض وبيعة الرضوان
فإني والسوابح يوم جمع وما يتلو الرسول من الكتاب
لقد أحببت ما لقيت ثقيف بجنب الشعب أمس من العذاب
هم رأس العدو من أهل نجد فقتلهم ألذ من الشراب
هزمنا الجمع جمع بني قسي وحكت بركها ببني رئاب
وصرما من هلال غادرتهم بأوطاس تعفر بالتراب
ولو لاقين جمع بني كلاب لقام نساؤهم والنقع كابي
ركضنا الخيل فيهم بين بس إلى الأورال تنحط بالنهاب
بذي لجب رسول الله فيهم كتيبته تعرض للضراب
[ ص: 53 ]
يا خاتم النبآء إنك مرسل بالحق ، كل هدى السبيل هداكا
إن الإله بنى عليك محبة في خلقه ومحمدا سماكا
ثم الذين وفوا بما عاهدتهم جند بعثت عليهم الضحاكا
رجلا به ذرب السلاح كأنه لما تكنفه العدو يراكا
يغشى ذوي النسب القريب وإنما يبغي رضا الرحمن ثم رضاكا
أنبيك أني قد رأيت مكره تحت العجاجة يدمغ الإشراكا
طورا يعانق باليدين وتارة يفري الجماجم صارما بتاكا
يغشى به هام الكماة ولو ترى منه الذي عاينت كان شفاكا
وبنو سليم معنقون أمامه ضربا وطعنا في العدو دراكا
يمشون تحت لوائه وكأنهم أسد العرين أردن ثم عراكا
ما يرتجون من القريب قرابة إلا لطاعة ربهم وهواكا
هذي مشاهدنا التي كانت لنا معروفة وولينا مولاكا
عفا مجدل من أهله فمتالع فمطلى أريك قد خلا فالمصانع
ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا رخي وصرف الدهر للحي جامع
حبيبة ألوت بها غربة النوى لبين فهل ماض من العيش راجع
فإن تبتغي الكفار غير ملومة فإني وزير للنبي وتابع
دعانا إليه خير وفد علمتم خزيمة والمرار منهم وواسع
فجئنا بألف من سليم عليهم لبوس لهم من نسج داود رائع
نبايعه بالأخشبين وإنما يد الله بين الأخشبين نبايع
فجسنا مع المهدي مكة عنوة بأسيافنا والنقع كاب وساطع
علانية والخيل يغشى متونها حميم وآن من دم الجوف ناقع
ويوم حنين حين سارت هوازن إلينا وضاقت بالنفوس الأضالع
[ ص: 55 ] صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا قراع الأعادي منهم والوقائع
أمام رسول الله يخفق فوقنا لواء كخذروف السحابة لامع
عشية ضحاك بن سفيان معتص بسيف رسول الله والموت كانع
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى مصالا لكنا الأقربين نتابع
ولكن دين الله دين محمد رضينا به فيه الهدى والشرائع
أقام به بعد الضلالة أمرنا وليس لأمر حمه الله دافع
تقطع باقي وصل أم مؤمل بعاقبة واستبدلت نية خلفا
وقد حلفت بالله لا تقطع القوى فما صدقت فيه ولا برت الحلفا
خفافية بطن العقيق مصيفها وتحتل في البادين وجرة فالعرفا
[ ص: 56 ] فإن تتبع الكفار أم مؤمل فقد زودت قلبي على نأيها شغفا
وسوف ينبئها الخبير بأننا أبينا ولم نطلب سوى ربنا حلفا
وأنا مع الهادي النبي محمد وفينا ولم يستوفها معشر ألفا
بفتيان صدق من سليم أعزة أطاعوا فما يعصون من أمره حرفا
خفاف وذكوان وعوف تخالهم مصاعب زافت في طروقتها كلفا
كأن النسيج الشهب والبيض ملبس أسودا تلاقت في مراصدها غضفا
بنا عز دين الله غير تنحل وزدنا على الحي الذي معه ضعفا
بمكة إذ جئنا كأن لواءنا عقاب أرادت بعد تحليقها خطفا
على شخص الأبصار تحسب بينها إذا هي جالت في مراودها عزفا
غداة وطئنا المشركين ولم نجد لأمر رسول الله عدلا ولا صرفا
بمعترك لا يسمع القوم وسطه لنا زجمة إلا التذامر والنقفا
ببيض تطير الهام عن مستقرها ونقطف أعناق الكماة بها قطفا
[ ص: 57 ] فكائن تركنا من قتيل ملحب وأرملة تدعو على بعلها لهفا
رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي ولله ما يبدو جميعا وما يخفى
ما بال عينك فيها عائر سهر مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر
عين تأوبها من شجوها أرق فالماء يغمرها طورا وينحدر
كأنه نظم در عند ناظمه تقطع السلك منه فهو منتثر
يا بعد منزل من ترجو مودته ومن أتى دونه الصمان فالحفر
دع ما تقدم من عهد الشباب فقد ولى الشباب وزار الشيب والزعر
واذكر بلاء سليم في مواطنها وفي سليم لأهل الفخر مفتخر
قوم هم نصروا الرحمن واتبعوا دين الرسول وأمر الناس مشتجر
لا يغرسون فسيل النخل وسطهم ولا تخاور في مشتاهم البقر
[ ص: 58 ] إلا سوابح كالعقبان مقربة في دارة حولها الأخطار والعكر
تدعى خفاف وعوف في جوانبها وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر
الضاربون جنود الشرك ضاحية ببطن مكة والأرواح تبتدر
حتى دفعنا وقتلاهم كأنهم نخل بظاهرة البطحاء منقعر
ونحن يوم حنين كان مشهدنا للدين عزا وعند الله مدخر
إذ نركب الموت مخضرا بطائنه والخيل ينجاب عنها ساطع كدر
تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا كما مشى الليث في غاباته الخدر
في مأزق من مجر الحرب كلكلها تكاد تأفل منه الشمس والقمر
وقد صبرنا بأوطاس أسنتنا لله ننصر من شئنا وننتصر
حتى تأوب أقوام منازلهم لولا المليك ولولا نحن ما صدروا
فما ترى معشرا قلوا ولا كثروا إلا قد أصبح منا فيهم أثر
يا أيها الرجل الذي تهوي به وجناء مجمرة المناسم عرمس
إما أتيت على النبي فقل له حقا عليك إذا اطمأن المجلس
يا خير من ركب المطي ومن مشى فوق التراب إذا تعد الأنفس
إنا وفينا بالذي عاهدتنا والخيل تقدع بالكماة وتضرس
إذ سال من أفناء بهثة كلها جمع تظل به المخارم ترجس
حتى صبحنا أهل مكة فيلقا شهباء يقدمها الهمام الأشوس
من كل أغلب من سليم فوقه بيضاء محكمة الدخال وقونس
يروي القناة إذا تجاسر في الوغى وتخاله أسدا إذا ما يعبس
يغشى الكتيبة معلما وبكفه عضب يقد به ولدن مدعس
[ ص: 60 ] وعلى حنين قد وفى من جمعنا ألف أمد به الرسول عرندس
كانوا أمام المؤمنين دريئة والشمس يومئذ عليهم أشمس
نمضي ويحرسنا الإله بحفظه والله ليس بضائع من يحرس
ولقد حبسنا بالمناقب محبسا رضي الإله به فنعم المحبس
وغداة أوطاس شددنا شدة كفت العدو وقيل منها يا احبسوا
تدعو هوازن بالإخاوة بيننا ثدي تمد به هوازن أيبس
حتى تركنا جمعهم وكأنه عير تعاقبه السباع مفرس
فمن مبلغ الأقوام أن محمدا رسول الإله راشد حيث يمما
دعا ربه واستنصر الله وحده فأصبح قد وفى إليه وأنعما
سرينا وواعدنا قديدا محمدا يؤم بنا أمرا من الله محكما
[ ص: 61 ] تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا مع الفجر فتيانا وغابا مقوما
على الخيل مشدودا علينا دروعنا ورجلا كدفاع الأتي عرمرما
فإن سراة الحي إن كنت سائلا سليم وفيهم منهم من تسلما
وجند من الأنصار لا يخذلونه أطاعوا فما يعصونه ما تكلما
فإن تك قد أمرت في القوم خالدا وقدمته فإنه قد تقدما
بجند هداه الله أنت أميره تصيب به في الحق من كان أظلما
حلفت يمينا برة لمحمد فأكملتها ألفا من الخيل ملجما
وقال نبي المؤمنين تقدموا وحب إلينا أن نكون المقدما
وبتنا بنهي المستدير ولم يكن بنا الخوف إلا رغبة وتحزما
أطعناك حتى أسلم الناس كلهم وحتى صبحنا الجمع أهل يلملما
يضل الحصان الأبلق الورد وسطه ولا يطمئن الشيخ حتى يسوما
[ ص: 62 ] سمونا لهم ورد القطا زفه ضحى وكل تراه عن أخيه قد احجما
لدن غدوة حتى تركنا عشية حنينا وقد سالت دوافعه دما
إذا شئت من كل رأيت طمرة وفارسها يهوي ورمحا محطما
وقد أحرزت منا هوازن سربها وحب إليها أن نخيب ونحرما