ذكر أقوام تخلفوا من العصاة غير هؤلاء .
قال علي بن طلحة الوالبي عن ابن عباس في قوله تعالى : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ( التوبة : 102 ) قال : كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 199 ] في غزوة تبوك فلما حضر رجوعه أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد ، وكان ممر النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد عليهم ، فلما مر بهم رسول الله قال : " من هؤلاء ؟ " قالوا : أبو لبابة وأصحاب له ، تخلفوا عنك حتى تطلقهم وتعذرهم قال : " وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله ، عز وجل ، هو الذي يطلقهم ، رغبوا عني ، وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين " . فلما أن بلغهم ذلك قالوا : ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا ، وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية . " وعسى " من الله واجب فلما أنزلت أرسل إليهم رسول الله فأطلقهم وعذرهم فجاءوا بأموالهم وقالوا : يا رسول الله ، هذه أموالنا فتصدق بها عنا ، واستغفر لنا ، فقال : " ما أمرت أن آخذ أموالكم " . فأنزل الله عز وجل : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم إلى قوله وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ( التوبة : 103 ، 106 ) . وهم الذين لم يربطوا أنفسهم بالسواري فأرجئوا حتى نزل قوله تعالى : فأنزل الله : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار إلى قوله : وعلى الثلاثة الذين خلفوا إلى آخرها ( التوبة : 117 ، 118 ) . وكذا رواه عن عطية بن سعد العوفي ابن عباس بنحوه .
وقد ذكر سعيد بن المسيب ومجاهد قصة ومحمد بن إسحاق أبي لبابة [ ص: 200 ] وما كان من أمره يوم بني قريظة ، وربطه نفسه حتى تيب عليه ، ثم إنه تخلف عن غزوة تبوك فربط نفسه أيضا حتى تاب الله عليه ، وأراد أن ينخلع من ماله كله صدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكفيك من ذلك الثلث " . قال مجاهد : وفيه نزل وابن إسحاق وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية . قال : ثم لم ير منه بعد ذلك في الإسلام إلا خير ، رضي الله عنه وأرضاه . سعيد بن المسيب
قلت : ولعل هؤلاء الثلاثة لم يذكروا معه بقية أصحابه ، واقتصروا على أنه كان كالزعيم لهم ، كما دل عليه سياق ابن عباس . والله أعلم .
وروى من طريق الحافظ البيهقي عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري سلمة بن كهيل عن عياض بن عياض عن أبيه ، عن أبي مسعود قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : . قال : فمر " إن منكم منافقين فمن سميت فليقم قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان " . حتى عد ستة وثلاثين ، ثم قال : " إن فيكم - أو إن منكم - منافقين فسلوا الله العافية " عمر برجل متقنع وقد كان بينه وبينه معرفة فقال : ما شأنك ؟ فأخبره بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بعدا لك سائر اليوم . .
قلت : كان أربعة أقسام ; مأمورون مأجورون المتخلفون عن غزوة تبوك كعلي بن أبي طالب ومحمد بن مسلمة ، ومعذورون وهم الضعفاء والمرضى والمقلون وهم البكاءون ، وعصاة مذنبون وهم الثلاثة وابن أم مكتوم وأبو لبابة وأصحابه المذكورون ، وآخرون ملومون مذمومون وهم المنافقون .