الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر أقوام تخلفوا من العصاة غير هؤلاء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال علي بن طلحة الوالبي عن ابن عباس في قوله تعالى : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ( التوبة : 102 ) قال : كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 199 ] في غزوة تبوك فلما حضر رجوعه أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد ، وكان ممر النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد عليهم ، فلما مر بهم رسول الله قال : " من هؤلاء ؟ " قالوا : أبو لبابة وأصحاب له ، تخلفوا عنك حتى تطلقهم وتعذرهم قال : " وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله ، عز وجل ، هو الذي يطلقهم ، رغبوا عني ، وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين " . فلما أن بلغهم ذلك قالوا : ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا ، فأنزل الله عز وجل : وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية . " وعسى " من الله واجب فلما أنزلت أرسل إليهم رسول الله فأطلقهم وعذرهم فجاءوا بأموالهم وقالوا : يا رسول الله ، هذه أموالنا فتصدق بها عنا ، واستغفر لنا ، فقال : " ما أمرت أن آخذ أموالكم " . فأنزل الله : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم إلى قوله وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ( التوبة : 103 ، 106 ) . وهم الذين لم يربطوا أنفسهم بالسواري فأرجئوا حتى نزل قوله تعالى : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار إلى قوله : وعلى الثلاثة الذين خلفوا إلى آخرها ( التوبة : 117 ، 118 ) . وكذا رواه عطية بن سعد العوفي عن ابن عباس بنحوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر سعيد بن المسيب ومجاهد ومحمد بن إسحاق قصة أبي لبابة [ ص: 200 ] وما كان من أمره يوم بني قريظة ، وربطه نفسه حتى تيب عليه ، ثم إنه تخلف عن غزوة تبوك فربط نفسه أيضا حتى تاب الله عليه ، وأراد أن ينخلع من ماله كله صدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكفيك من ذلك الثلث " . قال مجاهد وابن إسحاق : وفيه نزل وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية . قال سعيد بن المسيب : ثم لم ير منه بعد ذلك في الإسلام إلا خير ، رضي الله عنه وأرضاه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : ولعل هؤلاء الثلاثة لم يذكروا معه بقية أصحابه ، واقتصروا على أنه كان كالزعيم لهم ، كما دل عليه سياق ابن عباس . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الحافظ البيهقي من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن عياض بن عياض عن أبيه ، عن أبي مسعود قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن منكم منافقين فمن سميت فليقم قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان " . حتى عد ستة وثلاثين ، ثم قال : " إن فيكم - أو إن منكم - منافقين فسلوا الله العافية " . قال : فمر عمر برجل متقنع وقد كان بينه وبينه معرفة فقال : ما شأنك ؟ فأخبره بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بعدا لك سائر اليوم . .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : كان المتخلفون عن غزوة تبوك أربعة أقسام ; مأمورون مأجورون كعلي بن أبي طالب ومحمد بن مسلمة وابن أم مكتوم ، ومعذورون وهم الضعفاء والمرضى والمقلون وهم البكاءون ، وعصاة مذنبون وهم الثلاثة وأبو لبابة وأصحابه المذكورون ، وآخرون ملومون مذمومون وهم المنافقون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية