ابن حمدان
محمد بن أحمد بن حمدان بن علي بن عبد الله بن سنان ، الإمام الحافظ أبو العباس ، أخو الزاهد أبي عمر ، ابنا الحافظ أبي جعفر الحيري النيسابوري محدث خوارزم .
ولد سنة ثلاث وسبعين ومائتين .
سمع ، محمد بن أيوب الرازي ومحمد بن إبراهيم البوشنجي ، ومحمد بن عمرو قشمرد ، ومحمد بن نعيم ، والحسن بن علي بن زياد السري ، وموسى بن إسحاق الأنصاري ، والقاضي عبد الله بن أبي الخوارزمي ، وإبراهيم بن علي الذهلي ، وتميم بن محمد الطوسي ، والحسين بن محمد القباني ، ومحمد بن النضر بن سلمة الجارودي ، وأبا عمرو أحمد بن نصر الخفاف ، وعمران بن موسى بن مجاشع ، وأبا الفضل أحمد بن سلمة النيسابوري ، وعلي بن الحسين بن الجنيد ، ، وإبراهيم بن أبي طالب وابن خزيمة ، والسراج ، وخلقا سواهم .
[ ص: 194 ] روى عنه : أبو بكر البرقاني ، وأحمد بن محمد بن عيسى ، وأحمد بن محمد بن إبراهيم بن قطن ، وأبو سعيد أحمد بن محمد بن يوسف الكرابيسي الحافظ ، وأحمد بن أبي إسحاق ، وغيرهم .
طول ترجمته ابن أرسلان محدث خوارزم في " تاريخه " فقال : سكن خوارزم ، فسمي بها أبا العباس الزاهد من ورعه واجتهاده .
رحل به أبوه إلى الري للسماع من ابن الضريس ، وإلى طوس إلى تميم .
حدث وهو حدث في مجلس ابن الضريس ، فقرأت بخط أبي سعيد الكرابيسي ، فقال : حدثنا أبو العباس ، حدثنا أحمد بن سلمة ، حدثنا سلمة بن شبيب قال : كنت مع في مسجده ، وهو يقرأ عليه كتاب " الأشربة " إذ دخل رجل ، فسلم ثم قال : من فيكم أحمد بن حنبل ؟ فقال : أنا أحمد بن حنبل أحمد ، فقال : أتيتك من أربعمائة فرسخ برا وبحرا . كنت بينا أنا نائم إذ أتاني آت فقال : إني أنا الخضر ، فرح وسل عن ، وقل له : إن ساكن العرش والملائكة الذين حول العرش راضون عنك بما صبرت به نفسك ، فقام أحمد بن حنبل أحمد وذهب إلى منزله ، فقال للرجل : ألك حاجة ؟ قال : لا . إنما جئتك لهذا ، فودعه وانصرف .
دخل أبو العباس خوارزم للتجارة سنة إحدى وتسعين ومائتين ، فحكى أن رئيس أصحاب الحديث محمد بن إسماعيل بخوارزم ، جاء إليه إلى الخان زائرا ، ثم جئت مجلسه فسألني عن أحاديث ، فذكرتها على وجهها ، فعظمني .
وحج من خوارزم مرتين ، وبورك له في التجارة ، وأدرك سنة من حياة عبد الله بن أبي ، فلازمه .
[ ص: 195 ] قال : وكان مؤتمنا عند الأمراء والكبراء ، يقوم بالأمور الخطيرة ، وكانت الأمتعة النفيسة تأتيه من كل جانب ، وكان ورعا في معاملاته ، كبير القدر ، جعل ناظرا للجامع ، فعمره .
وكان حافظا للقرآن ، عارفا بالحديث ، والتاريخ ، والرجال ، والفقه ، كافا عن الفتوى . حضره رجل فقال : حلفت إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثا ، فقال : قول مالك تطلق . وقال وأبي حنيفة : لا تطلق فقال السائل : فما تقول أنت ؟ فقال : هذا إلى الشافعي أبي بكر الفراتي ، ولم يفته .
وقد سمع بمنصورة - وهي أم بلاد خوارزم - بعض صحيح من البخاري الفربري ، فوجده نازلا ، فصنف على مثاله مستخرجا له . وصنف كتابا في الأحاديث التي في مختصر المزني .
وكان إذا صح عنده حديث عمل به ولم يلتفت إلى مذهب .
وكان يحفظ حديثه ويدريه .
وكان محببا إلى الناس ، متبركا به ، نافذ الكلمة ، قدموه للاستسقاء بهم .
وكان له مجلس للإملاء في كل اثنين وخميس ، فكان يحضره الأئمة والكبراء ، وكان يرى الجهر بالبسملة .
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل ، أنبأنا أبو محمد بن قدامة ، أخبرنا أبو الفتح بن البطي ، أخبرنا أبو الفضل بن خيرون ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد البرقاني قال : قرئ على أبي العباس بن حمدان - وأنا أسمع - في جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ، حدثكم محمد بن أيوب . أخبرنا أبو الوليد ، حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد ، حدثني أبي ، [ ص: 196 ] عن أبيه ، قال : كنت عند عثمان رضي الله عنه ، فدعا بطهور ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : . ما من مسلم تحضره الصلاة المكتوبة ، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما فيها - أو قال : قبلها - من الذنوب ما لم يأت كبيرة ، وذلك الدهر كله
أخرجه مسلم عن عبد وابن الشاعر ، عن أبي الوليد .
قال ابن أرسلان في " تاريخه " : قرأت بخط الحافظ أبي سعيد قال : لما مرض أبو العباس مرضه الذي مات فيه ، اغتم المسلمون ، فرأى صهره أبو العباس الأزهري في المنام : أن أبا العباس لاحق بنا ، ومن استغفر له غفر له . فشاع الخبر في البلد ، فحضره أهل البلد أفواجا ، فكان يستغفر لهم .
ومرض خمسة عشر يوما ، ثم اعتقل لسانه ليلة الجمعة إلا من الهمس بقول : لا إله إلا الله . وتوفي ليلة السبت حادي عشر صفر سنة ست وخمسين وثلاثمائة فعظمت المصيبة ، واجتمع الكل لجنازته ، وأقاموا رسم التعزية ستة أيام تعزية عامرة بالفقهاء ، والأكابر ووجوه الدهاقين وحضر خوارزم شاه أبو سعيد أحمد بن محمد بن عراق تعزيته مع أمرائه ، وكثرت فيه المراثي . ومات عن ثلاثة بنين ، رحمه الله تعالى .