عطف على الجملة لهم فيها دار الخلد ، أي ويقولون في جهنم ، فعدل عن صيغة الاستقبال إلى صيغة المضي للدلالة على تحقيق وقوع هذا القول وهو في معنى قوله تعالى حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ، فالقائلون ربنا أرنا اللذين أضلانا : هم عامة المشركين ، كما يدل عليه قوله اللذين أضلانا .
ومعنى أرنا عين لنا ، وهو كناية عن إرادة انتقامهم منهم ولذلك جزم ( نجعلهما ) في جواب الطلب على تقدير : إن ترناهما نجعلهما تحت أقدامنا .
والجعل تحت الأقدام : الوطء بالأقدام والرفس ، أي نجعل آحادهم تحت أقدام آحاد جماعتنا ، فإن الدهماء أكثر من القادة فلا يعوزهم الانتقام منهم . وكان الوطء بالأرجل من كيفيات الانتقام والامتهان ، قال ابن وعلة الجرمي :
ووطئنا وطأ على حنق وطأ المقيد نابت الهرم
[ ص: 281 ] وإنما طلبوا أن يروهما لأن المضلين كانوا في دركات من النار أسفل من دركات أتباعهم فلذلك لم يعرفوا أين هم .والتعليل ليكونا من الأسفلين توطئة لاستجابة الله تعالى لهم أن يريهموهما لأنهم علموا من غضب الله عليهم أنه أشد غضبا على الفريقين المضلين فتوسلوا بعزمهم على الانتقام منهم إلى تيسير تمكينهم من الانتقام منهم .
والأسفلون : الذين هم أشد حقارة من حقارة هؤلاء الذين كفروا ، أي ليكونوا أحقر منا جزاء لهم ، فالسفالة مستعارة للإهانة والحقارة .
وقرأ الجمهور أرنا بكسر الراء . وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، والسوسي عن أبي عمرو ، وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بسكون الراء للتخفيف من ثقل الكسرة ، كما قالوا : فخذ في فخذ . وعن الخليل إذا قلت : أرني ثوبك بكسر الراء ، فالمعنى : رصرنيه ، وإذا قلته بسكون الراء فهو استعطاء ، معناه : أعطنيه . وعلى هذا يكون معنى قراءة ابن كثير ، وابن عامر ومن وافقهما : مكنا من اللذين أضلانا كي نجعلهما تحت أقدامنا ، أي ائذن لنا بإهانتهما وخزيهما .
وقرأ ابن كثير " اللذين " بتشديد النون من اسم الموصول وهي لغة ، وتقدم في قوله تعالى واللذان يأتيانها منكم في سورة النساء .