فإن كرهتموهن لعيب في الخلق ، أو الخلق مما لا يعد ذنبا لهن ; لأن أمره ليس في أيديهن ، أو التقصير في العمل الواجب عليهن في خدمة البيت والقيام بشئونه مما لا يخلو عن مثله النساء وكذا الرجال في أعمالهم ، أو الميل منكم إلى غيرهن ، فاصبروا ولا تعجلوا بمضارتهن ، ولا بمفارقتهن لأجل ذلك فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا فهذا الرجاء علة لما دل عليه السياق من جزاء الشرط ، ومن الخير الكثير بل أهمه وأعلاه الأولاد النجباء ، فرب امرأة يملها زوجها ويكرهها ، ثم يجيئه منها من تقر به عينه من الأولاد النجباء فيعلو قدرها عنده بذلك ، وقد شاهدنا ، وشاهد الناس كثيرا من هذا ، وناهيك به : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين [ 25 : 74 ] .
نعم الإله على العباد كثيرة وأجلهن نجابة الأولاد
ومنها أن يصلح حالها بصبره ، وحسن معاشرته ، فتكون أعظم أسباب هنائه في انتظام معيشته ، وحسن خدمته لا سيما إذا أصيب بالأمراض ، أو بالفقر ، والعوز ، فكثيرا ما يكره الرجل امرأته لبطره بصحته ، وغناه ، واعتقاده أنه قادر على أن يتمتع بخير منها ، وأجمل ، فلا يلبث أن يسلب ما أبطره من النعمة ، ويكون له منها إذا صبر عليها في أيام البطر خير سلوى ، وعون في أيام المرض ، أو العوز ، فيجب على الرجل الذي يكره زوجه أن يتذكر مثل هذا ويتذكر أيضا أنه لا يخلو من عيب تصبر امرأته عليه في الحال ، غير ما وطنت نفسها عليه في الاستقبال ، [ ص: 375 ] وقد بينا حاجة كل من الزوجين إلى مودة الآخر ، ورحمته ، ولا سيما في حال الضعف والعجز في مقالات ( الحياة الزوجية ) فتراجع في المجلد الثامن من المنار ، وربما نودع ذلك في تفسير قوله - تعالى - : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة [ 30 : 21 ] .
هذا ، وإن التعليل في الآية يرشدنا إلى قاعدة عامة تأتي في جميع الأشياء لا في النساء خاصة ، وهي أن بعض ما يكرهه الإنسان يكون فيه خير له ، متى جاء ذلك الخير تظهر قيمة ذلك الشيء المكروه ، وهي قاعدة عرف العقلاء صدقها بالتجارب ، ولأجل التنبيه لها قال - تعالى - : وعسى أن تكرهوا شيئا [ 2 : 216 ] ولم يقل وعسى أن تكرهوا امرأة ، ثم إن في الصبر على المكروه واحتماله فوائد أخرى غير ما يمكن أن يكون في المكروه نفسه من الخير المحبوب ، فالصابر المحتمل يستفيد من كل مكروه بصبره ، ورويته سواء ترتب عليه في ذاته خير أم لا ، ومن المكروه الذي يترتب عليه خير القتال بالحق لأجل حماية الحق ، والدفاع عنه فهو بما فيه من المشقة مكروه طبعا ، وناهيك بما يترتب عليه من إظهار الحق ، ونصره ، وظهور أهله ، وخذلان الباطل وحزبه - راجع تفسير كتب عليكم القتال وهو كره لكم وللأستاذ الإمام كلام حسن هناك في ذلك ، وليس عندنا شيء عنه في هذه الآية ، والحاصل أن ، والصبر عليهن إذا كرهن الأزواج رجاء أن يكون فيهن خير . الإسلام يوصي أهله بحسن معاشرة النساء