ولما بين تبارك اسمه ما يحرم بالأسباب الثابتة ، وقدم الأقوى في علته ، وحكمته على غيره بين بعد ذلك ما يحرم بسبب عارض إذا زال يزول التحريم فقال : وأن تجمعوا بين الأختين أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين في الاستمتاع الذي يراد به الولد سواء كان بعقد النكاح ، أو ملك اليمين . هذا ما عليه جمهور الصحابة ، وعلماء التابعين ، ومن تبعهم ، وهو المتبادر ، وروي عن بعضهم الخلاف في بملك اليمين مع إطلاق إباحة الاستمتاع بما ملكت الأيمان على الإطلاق ، وروي عن الجمع بين الأختين عثمان أنه قال : أحلتهما آية وحرمتهما آية .
وحجة الجمهور أن سائر ما في الآية من المحرمات عام في النكاح ، والملك ، فلا وجه لاستثناء [ ص: 394 ] هذا وحده منها . وأن إطلاق إباحة ما ملكت الأيمان إنما هو بيان لسبب الحل دون شروطه التي تعلم من نصوص أخرى ، فمن ملك إحدى محارمه لا يحل له الاستمتاع بها ، ولو جاز الجمع بين الأختين في استمتاع الملك لجاز الجمع بين الأم ، وبنتها في ذلك ، ومن يقول بذلك ؟ والمذاهب الأربعة متفقة على تحريم الاستمتاع بالأختين في ملك اليمين ، وكذلك الجمع بينهما بالنكاح ، والملك ، كأن يكون مالكا لإحداهما ، ومتزوجا الأخرى ، فيحرم عليه أن يستمتع بهما معا .
ويجب عليه أن يحرم إحداهما على نفسه ، كأن يعتق المملوكة ، أو يهبها ، ويسلمها للموهوبة له ، والتفصيل في كتب الفقه ، ويدخل في ذلك الأختان من الرضاعة ، وقد فهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من تحريم الجمع بين الأختين ما في معناه وهو الجمع بين المرأة ، وعمتها ، أو خالتها قال العلماء : والضابط في هذا أنه يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة لو كانت إحداهما ذكرا لحرم عليه بها نكاح الأخرى : وهو الذي تظهر فيه العلة وتنطبق عليه الحكمة .
ثم قال - عز وجل - : إلا ما قد سلف أي حرم عليكم ما ذكر لكن ما سلف لكم قبل التحريم لا تؤاخذون عليه ، وكانوا يجمعون بين الأختين في الجاهلية وقيل : إلا ما سلف في الشرائع السابقة . وورد في حديث أحمد ، وأبي داود ، ، وحسنه ، والترمذي وابن ماجه فيروز الديلمي أنه أدركه الإسلام وتحته أختان ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : طلق أيتهما شئت إن الله كان غفورا رحيما لا يؤاخذكم بما سلف منكم في زمن الجاهلية إذا أنتم التزمتم العمل بشريعته في الإسلام ، فمن مغفرته أن يمحو من نفوسكم أثر تلك الأعمال المنكرة التي تنافي سلامة الفطرة ، ومن رحمته بكم أن شرع لكم من أحكام النكاح ما فيه المصلحة لكم ، وتوثيق روابط القرابة ، والصهر ، والرضاع بينكم لتتراحموا ، وتتعاطفوا ، وتتعاونوا على البر ، والتقوى فتنالوا تمام الرحمة في الدنيا والآخرة . عن