[ ص: 326 ] النوع الثالث عشر
تاريخ القرآن واختلاف المصاحف
في بيان جمعه ومن حفظه من الصحابة - رضي الله عنهم -
روى في " صحيحه " ، عن البخاري قال : " أرسل إلي زيد بن ثابت أبو بكر مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر عنده ، فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر بيوم اليمامة بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالمواطن ، فيذهب كثير من القرآن ; وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن . قلت لعمر : كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال [ ص: 327 ] عمر : والله إن هذا خير . فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، وقد رأيت في ذلك الذي رأى عمر . قال زيد : وقال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا أتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتتبع القرآن واجمعه . قال زيد : فوالله ، لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن ، قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : هو والله خير . فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور [ ص: 328 ] الرجال ، حتى وجدت آخر التوبة : ( لقد جاءكم ) ( الآية : 128 ) ، مع أبي خزيمة الأنصاري الذي جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادته بشهادة رجلين ، لم أجدها مع أحد غيره ، فألحقتها في سورتها ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حتى قبض ، ثم عند . حفصة بنت عمر
وفي رواية قال : " وأخبرني ابن شهاب سمع خارجة بن زيد ، يقول : فقدت آية من " الأحزاب " حين نسخنا المصحف ، قد كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها ، لم أجدها مع أحد إلا مع زيد بن ثابت خزيمة الأنصاري من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( الأحزاب : 23 ) ، فألحقناها في سورتها ، شهادته بشهادتين " . وخزيمة الأنصاري
وقول زيد : " لم أجدها إلا مع خزيمة " ليس فيه إثبات القرآن بخبر الواحد ; لأن زيدا كان قد سمعها وعلم موضعها في سورة " الأحزاب " بتعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك غيره من الصحابة ثم نسيها ، فلما سمع ذكره ، وتتبعه للرجال كان للاستظهار ، لا لاستحداث العلم ، وسيأتي أن الذين كانوا يحفظون القرآن من الصحابة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة ، والمراد : أن هؤلاء كانوا اشتهروا به ، فقد ثبت أن غيرهم حفظه ، وثبت أن القرآن مجموعه محفوظ كله في صدور الرجال أيام حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤلفا على هذا التأليف ، إلا سورة براءة .
قال : " قلت ابن عباس لعثمان : ما حملكم أن عمدتم إلى " الأنفال " وهي من [ ص: 329 ] المثاني ، وإلى " براءة " وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم قال عثمان : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يأتي عليه الزمان ، وتنزل عليه السور ، وكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتبه فقال : ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت " الأنفال " من أوائل ما نزل من المدينة ، وكانت " براءة " من آخر القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ثم كتبت " .
فثبت أن - صلى الله عليه وسلم - وإنما ترك جمعه في مصحف واحد ; لأن النسخ كان يرد على بعض ، فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعض لأدى إلى الاختلاف واختلاط الدين ، فحفظه الله في القلوب إلى انقضاء زمان النسخ ، ثم وفق لجمعه الخلفاء الراشدون . القرآن كان على هذا التأليف والجمع في زمن النبي
واعلم أنه قد اشتهر أن عثمان هو أول من جمع المصاحف ; وليس كذلك لما بيناه ، بل أول من جمعها في مصحف واحد ثم أمر الصديق ، عثمان حين خاف الاختلاف في القراءة بتحويله منها إلى المصاحف ، هكذا نقله البيهقي .