الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 1426 ] الفصل الثالث

2067 - عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ " فقالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ، وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا ، فنحن نصومه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فنحن أحق وأولى بموسى منكم " ، فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بصيامه . متفق عليه .

التالي السابق


( الفصل الثالث )

2067 - ( عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة ) أي بعد الهجرة من مكة ( فوجد اليهود ) أي صادفهم في المدينة وهو في السنة الثانية لأن قدومه في الأولى كان بعد عاشوراء في ربيع الأول ( صياما ) أي ذوي صيام أو صائمين ( يوم عاشوراء ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما هذا اليوم الذي يصومونه ؟ ) أي ما سبب صومه ، قال الطيبي : فيه إشكالان الأول أن اليهود يؤرخون الشهور على غير ما تؤرخه العرب ، الثاني أن مخالفتهم مطلوبة ، والجواب على الأول أنه يجوز أن يتفق في ذلك العام كون عاشوراء ذلك اليوم الذي نجاهم الله فيه من فرعون يعني مع احتمال الموافقة والمخالفة ابتداء ، فقول ابن حجر على أنه لا مانع أيضا أن هذا الإنجاء وقع في عاشوراء العربي ثم وقع التغيير منهم إلى تلك السنة فتوافقا أيضا غير متجه ، مع أن قوله ثم وقع التغيير غير صحيح لأنهم مع كمال اعتقادهم وغلوهم واجتهادهم ما يغيرون عاشوراء عن زمانه واختلاف التاريخ بناء على تغيير لغتهم في مغايرة أسماء شهورهم ، أما الخيام فإنها كخيامهم وأما نساء الحي غير نساءهم ، وعن الثاني أن المخالفة مطلوبة فيما أخطأوا فيه كما في يوم السبت ، فقال - تعالى - إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه فكأن التعظيم مبنيا على اختيارهم واجتهادهم ، وقد مر في الحديث أن يومهم الذي أمروا به يوم الجمعة فاختلفوا فيه ، الأظهر في الجواب عن الثاني أنه - صلى الله عليه وسلم - أول الهجرة لم يكن مأمورا بالمخالفة بل كان يتألفهم في كثير من الأمور ، ومنها أمر القبلة ، ثم لما ثبت عليهم الحجة ولم يمنعهم الملائمة وظهر منهم العناد والمكابرة اختار مخالفتهم وترك مؤالفتهم ، ولذا لما قيل له في عاشوراء بعد صيامه أن اليهود والنصارى يعظمون هذا اليوم وأنت تحب هذا الزمان ترك التشبه بهم فقال : " لئن بقيت لأصومن التاسع " ، ثم مما يتعلق بهذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - على تقديم أنه صامه عن اجتهاد أنه لم يعتمد على قول اليهود في ذلك مطلقا ، بل باختبار من أسلم منهم أو بحصول التواتر من قبلهم ، فإنه لا يشترط الإسلام في التواتر ، فقول ابن حجر إما بالوحي أو الاجتهاد بما يوافقه أو أخبره من أسلم منهم لا يصح ترديده بأو في الثانية ( فقالوا : هذا يوم عظيم ) أي وقع فيه أمور عظيمة توجب تعظيم مثل ذلك اليوم ( أنجى الله فيه موسى وقومه ) أي المؤمنون و ( غرق ) بالتشديد ( فرعون وقومه ) بالنصب فيهما . قال الطيبي : غرقه وأغرقه بمعنى ، وفي نسخة أغرق وفي أخرى بكسر الراء المخففة ورفع المنصوبين ( فصامه ) أي ذلك اليوم أو مثله ( موسى شكرا ) لاشتماله على النعمتين الجليلتين ، وقال - تعالى - فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ( فنحن نصومه ) أي شكرا أيضا لأن بقاء الآباء سبب وجود الأبناء أو متابعة لموسى ، وهذا ظاهر من كلامه - صلى الله عليه وسلم - حيث أجابهم ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فنحن ) أي إذا كان الأمر كذلك فنحن ( أحق ) أي أثبت ( وأولى ) أي أقرب ( بموسى ) أي بمتابعته ( منكم ) فإنا موافقون له في أصول الدين ومصدقون لكتابه في تبيين اليقين ، وأنتم مخالفون لهما في التغيير والتحريف ، والتعلق بالأمر المشوب بالتزييف ( فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) لقوله - تعالى - فبهداهم اقتده فتعظيم ما عظمه لم يكن على جهة المتابعة له في شرعه بل على طريق موافقة شرعه لشرعه في ذلك أو كان صيامه شكرا لخلاص موسى كما سجد فيه - صلى الله عليه وسلم - شكرا لله على قبول توبة داود ولكونه يحب موافقة أهل الكتاب ما لم يؤمر فيه بشيء ، والظاهر مما تقدم أنه أمر هنا بالصيام على وجه الوجوب ، ولذا نادى مناديه أن من لم يأكل فيه فليصم ومن أكل فليمسك ( وأمر ) أي أصحابه ( بصيامه ) وفي هذا تواضع عظيم بالنسبة إلى موسى الكليم ، وإلا فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي " ، وفيه تألف لقومه واستئناس بهم لعلهم يرجعون عن عنادهم ( متفق عليه ) وينافيه بظاهره رواية البخاري عن أبي موسى قال : كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فصوموه أنتم " ، فهذا يشعر بأن الصوم كان لمخالفتهم ، وما سبق صريح بأنه كان لموافقتهم ، ويمكن حمله على أن اليهود كانوا طائفتين أو القضيتين في وقتين ، أو يقال : لا يلزم من عدهم إياه عيدا كونه عيدا حقيقة ، أو لا يمتنع صومه عندهم أو صوموه أنتم فلا تجعلوه عيدا ، والله أعلم .

[ ص: 1427 ]



الخدمات العلمية