الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2421 - وعن عبد الله بن سرجس قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحور بعد الكور ، ودعوة المظلوم ، وسوء المنظر في الأهل والمال ) . ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


2421 - ( وعن عبد الله بن سرجس ) بفتح السين وكسر الجيم على وزن نرجس ، وقيل بفتح الجيم مصروفا ( قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر يتعوذ ) أي : بالله ( من وعثاء السفر ) أي : مشقته الشاغلة عن الذكر والفكر وشدته المانعة من حضور القلب مع الرب ، قيل السفر قطعة من سقر ، وفيه تعمية لطيفة من جهة الكتابة والحساب فتأمل تدركهما على وجه الصواب ، وفي الحديث " السفر قطعة من العذاب " أي : نوع من عذاب النار وهو المذكور في قوله تعالى ( سأرهقه صعودا ) أي : سأكلفه عقبة شاقة المصعد ، قال البيضاوي : هو مثل لما يلقى من الشدائد ، والصحيح أنه على حقيقته لما في الحديث : ( إنه جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك أبدا ) رواه أحمد والترمذي والحاكم وابن حبان عن أبي سعيد بسند صحيح ( وكآبة المنقلب ) في الفائق : وهو أن ينقلب إلى وطنه فيلقى ما يكتئب منه من أمر أصابه في سفره أو فيما يقدم عليه اهـ . وفيه إيماء إلى رجوعه من سفر الدنيا إلى وطن الأخرى ، وهو بالاستعاذة أولى وأحرى ومنه قوله تعالى : وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ( والحور بعد الكور ) بفتح فسكون فيهما والحاء مهملة أي : النقصان بعد الزيادة والتفرق بعد الاجتماع ، وقيل : من فساد الأمور بعد إصلاحها ، وقيل : الرجوع عن الجماعة بعد أن كان فيهم ، قال الطيبي : وفيه نظر لأن استعمال الكور في جماعة الإبل خاصة وربما استعمل في البقر ، والجواب أن باب الاستعارة غير مسدود فإن العطن مختص بالإبل فيكنون عن ضيق الخلق بضيق العطن على أنهم يستعملون ألفاظا مقيدة فيما لا قيد له كالمرسن لأنف الإنسان ، والمشفر للشفة اهـ . ويسمونه التجريد ، وأصل الحور نقض العمامة بعد لفها ، وأصل الكور من كور العمامة على رأسه يكورها كورا أي : لفها ، وكل دور كور ومنه قوله تعالى : يكور الليل على النهار وقوله : إذا الشمس كورت إذا لمت وألقيت في النار زيادة في نكال عابديها ، قال المظهر : الحور النقصان والكور الزيادة أي : نعوذ بك من نقصان الحال والمال بعد زيادتهما وتمامهما أي : من أن ينقلب حالنا من السراء إلى الضراء ومن الصحة إلى المرض اهـ . ويمكن أن يقال أي : من التنزل بعد الترقي ، أو من الرجوع إلى المعصية بعد التوبة ، أو إلى الغفلة بعد الذكر ، أو إلى الغيبة بعد الحضور ، ولذا قال العارف ابن الفارض :

ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري سهوا حكمت بردتي



وروي والحور بعد الكون بالنون في الثاني أي : الرجوع في الحالة المستحسنة بعد أن كان عليها ، والكون الحصول على هيئة جميلة ، يريد التراجع بعد الإقبال ، قال ميرك : واعلم أنه وقع في معظم نسخ مسلم بالنون وكذا ضبطه الحافظ لعله المنذري وروي بالراء ومعناه النقصان بعد الزيادة ، وقيل من الشذوذ بعد الجماعة ، أو من الفساد بعد الصلاح ، أو من القلة بعد الكثرة ، أو من الإيمان إلى الكفر ، أو من الطاعة إلى المعصية ، وكأنه من كار عمامته إذ لفها على رأسه فاجتمعت وإذا نقضها فانفرقت ، وبالنون قال أبو عبيد : من قولهم حار بعد ما كان أي : إنه كان على حالة جميلة فرجع عنها ، ووهم بعضهم رواية النون والله تعالى أعلم ( ودعوة المظلوم ) أي : فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ، قال الطيبي : فإن قلت دعوة المظلوم يحترز عنها سواء كانت في الحضر أو السفر ، قلت : كذلك الحور بعد الكور ; لكن السفر مظنة البلايا والمصائب والمشقة فيه أكثر فخصت به اهـ . ويريد أنه حينئذ مظنة للنقصان في الدين والدنيا وباعث على التعدي في حق الرفقة وغيرهم لا سيما في مضيق الماء كما هو مشاهد في سفر الحج فضلا من غيره ، ولذا كان يسميه بعض المشايخ السنة التي عصيت الله فيها وقد رجع بعضهم عن طريق مكة لهذا ، وبهذا يندفع كلام ابن حجر معترضا على الطيبي بقوله وهو عجيب لأن جوابه لا يلاقي السؤال أصلا فتأمل ، أو يقال إن المظلوم إذا كان مسافرا يكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة لاجتماع الكربة والغربة ( وسوء المنظر ) بفتح الظاء ( في الأهل والمال ) أي : من أن يطمع ظالم أو فاجر في المال والأهل ( رواه مسلم ) وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجه . [ ص: 1682 ]



الخدمات العلمية