311 - ومن روى بأجرة لم يقبل إسحاق والرازي 312 - وهو شبيه أجرة القرآن وابن حنبل
يخرم من مروءة الإنسان 313 - لكن أخذ أبو نعيم الفضل
وغيره ترخصا فإن نبذ 314 - شغلا به الكسب أجز إرفاقا
أفتى به الشيخ أبو إسحاقا
( ومن روى ) الحديث ( بأجرة ) أو نحوها ; كالجعالة ( لم يقبل ، عرف إسحاق ) بن إبراهيم الحنظلي ( و ) بابن راهويه أبو حاتم ( الرازي في آخرين . وابن حنبل ) هو أحمد
أما إسحاق ; فإنه حين سئل عن المحدث يحدث بالأجر ، قال : لا يكتب عنه ، [ ص: 91 ] وكذا قال أبو حاتم حين سئل عمن يأخذ على الحديث ، وأما أحمد فإنه قيل له : ؟ فقال : لا ، ولا كرامة . فأطلق أيكتب عمن يبيع الحديث أبو حاتم جواب الأخذ الشامل الإجارة والجعالة والهبة والهدية ، وهو ظاهر في الجعالة ; لوجود العلة فيها أيضا ، وإن كانت الإجارة أفحش .
وقد قال : لم يبق أمر من أمر السماء إلا الحديث والقضاء ، وقد فسدا جميعا ، القضاة يرشون حتى يولوا ، والمحدثون يأخذون على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الدراهم . سليمان بن حرب
( وهو ) أي : أخذ الأجرة ( شبيه أجرة ) معلم ( القرآن ) ونحوه ; كالتدريس ، يعني في الجواز ، إلا أنه هناك العادة جارية بالأخذ فيه ، [ وهو هنا في العرف ] ( يخرم ) أي : ينقص ( من مروءة الإنسان ) الفاعل له ; لكونه شاع بين أهله التخلق بعلو الهمم ، وطهارة الشيم ، وتنزيه العرض عن مد العين إلى شيء من العرض .
قال الخطيب : وإنما منعوا من ذلك تنزيها للراوي عن سوء الظن به ; فإن بعض من كان يأخذ الأجرة على الرواية عثر على تزيده وادعائه ما لم يسمع لأجل ما كان يعطى ، ومن هنا بالغ شعبة فيما حكي عنه وقال : لا تكتبوا عن الفقراء شيئا ; فإنهم يكذبون ، ولذا امتنع من الأخذ من امتنع ، بل تورع الكثير منهم عن قبول الهدية والهبة ، فقال : لما جلس سعيد بن عامر للحديث أهدي له ، فرده وقال : إن من جلس هذا المجلس فليس له عند الله خلاق ، [ ص: 92 ] يعني إن أخذ . وكذا لم يكن الحسن البصري النووي يقبل ممن له به علقة من إقراء أو انتفاع ما .
قال ابن العطار : للخروج من حديث إهداء القوس ، يعني الوارد الزجر عن آخذه ممن علمه القرآن ، قال : وربما أنه كان يرى نشر العلم متعينا عليه مع قناعة نفسه وصبرها ، قال : والأمور المتعينة لا يجوز أخذ الجزاء عليها ; ; فإنه حرام باتفاق العلماء - انتهى . كالقرض الجار إلى منفعة
وقال : ما رأينا في القراء مثل جعفر بن يحيى البرمكي ، عرضت عليه مائة ألف ، فقال : لا والله ، لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنة ثمنا ، ألا كان هذا قبل أن ترسلوا إلي ، فأما على الحديث فلا ، ولا شربة ماء ، ولا إهليلجة . عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي
وهذا بمعناه وأزيد عند أبي الفرج النهرواني في الجليس الصالح [ ص: 93 ] قال : دخل الرشيد الكوفة ، ومعه ابناه الأمين والمأمون ، فسمعا من عبد الله بن إدريس ، فأمر لهما بمال جزيل ، فلم يقبلا ، وقال له وعيسى بن يونس عيسى : لا ، ولا إهليلجة ، ولا شربة ماء على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو ملأت لي هذا المسجد إلى السقف ذهبا .
وقال : مر بنا جرير بن عبد الحميد فاستسقى ، فدخلت البيت ، فجئته بالماء ، فلما أردت أن أناوله نظر إلي فقال : أنت هو ؟ حمزة الزيات
قلت : نعم ،
فقال : أليس تحضرنا في وقت القراءة ؟ قلت : نعم ، فرده وأبى أن يشرب ومضى .
وأهدى أصحاب الحديث شيئا ، فلما اجتمعوا قال لهم : أنتم بالخيار إن شئتم قبلته ولم أحدثكم ، أو رددته وحدثتكم ، فاختاروا الرد وحدثهم . ونحوه عن للأوزاعي كما حماد بن سلمة للخطيب في الكفاية .
وقال : كان هبة الله بن المبارك السقطي ذا وجاهة وتقدم وحال واسعة ، وعهدي بي وقد أخنى عليه الزمان بصروفه ، وقد قصدته في جماعة مثرين ; لنسمع منه وهو مريض ، فدخلنا عليه وهو على بادية ، وعليه جبة قد أكلت النار أكثرها ، وليس عنده [ ص: 94 ] ما يساوي درهما ، فحمل على نفسه حتى قرأنا عليه بحسب شرهنا ، ثم قمنا ، وقد تحمل المشقة في إكرامنا . أبو الغنائم محمد بن علي بن علي بن الحسن بن الدجاجي البغدادي
فلما خرجنا قلت : هل مع سادتنا ما نصرفه إلى الشيخ ؟ فمالوا إلى ذلك ، فاجتمع له نحو خمسة مثاقيل ، فدعوت ابنته وأعطيتها ، ووقفت لأرى تسليمها إليه ، فلما دخلت وأعطته لطم حر وجهه ، ونادى : وافضيحتاه ! آخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عوضا ، لا والله ، ونهض حافيا فنادى بحرمة ما بيننا إلا رجعت ، فعدت إليه ، فبكى وقال : تفضحني مع أصحاب الحديث ؟ الموت أهون من ذلك . فأعدت الذهب إلى الجماعة ، فلم يقبلوه وتصدقوا به .
ومرض راوي أبو الفتح الكروخي الترمذي ، فأرسل إليه بعض من كان يحضر مجلسه شيئا من الذهب ، فما قبله ، وقال : بعد السبعين واقتراب الأجل آخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ؟ ورده مع الاحتياج إليه .
( لكن ) الحافظ الحجة الثبت شيخ ( البخاري ، قد ( أخذ ) العوض على التحديث ، بحيث كان إذا لم يكن معهم دراهم صحاح بل مكسرة أخذ صرفها . أبو نعيم ) ، هو ( الفضل ) بن دكين
( و ) كذا أخذ ( غيره ) كعفان أحد الحفاظ الأثبات من شيوخ أيضا ، فقد قال البخاري : سمعت حنبل بن إسحاق ، يقول : شيخان كان الناس يتكلمون فيهما ويذكرونهما ، وكنا نلقى من الناس في أمرهما ما الله به عليم ، قاما لله بأمر لم يقم به أحد أو كبير أحد مثل ما قاما به : أبا عبد الله ، يعني الإمام أحمد عفان وأبو نعيم ، يعني بقيامهما عدم الإجابة في المحنة ، وبكلام الناس من أجل أنهما كانا يأخذان [ ص: 95 ] على التحديث .
ووصف أحمد مع هذا عفان بالتثبت ، وقيل له : من تابع عفان على كذا ؟ فقال : يحتاج إلى أن يتابعه أحد ؟ وعفان وأبا نعيم بالحجة الثبت ، وقال مرة : إنه يزاحم به ، وهو على قلة روايته أثبت من ابن عيينة . إلى غير ذلك من الروايات عنه ، بل وعن وكيع أبي حاتم في توثيقه وإجلاله ، فيمكن الجمع بين هذا وإطلاقهما كما مضى أولا عدم الكتابة ، بأن ذلك في حق من لم يبلغ هذه المرتبة في الثقة والتثبت ، أو الأخذ مختلف في الموضعين كما يشعر به السؤال لأحمد هناك ، ومضايقة البغوي التي كانت سببا لامتناع من الرواية عنه ، كما سيأتي قريبا ، وعلى هذا يحمل قول النسائي محمد بن عبد الملك بن أيمن : لم يكونوا يعيبون مثل هذا ، إنما العيب عندهم الكذب .
الحافظ المتقن صاحب المسند يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي ، فقد روى وممن كان يأخذ ممن احتج به الشيخان في سننه عنه حديث النسائي يحيى بن عتيق عن عن محمد بن سيرين رفعه : ( ( أبي هريرة ) ) الحديث ، . . . . . . . . . . . . . . . [ ص: 96 ] وقال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم عقبه : إنه لم يكن يحدث به إلا بدينار .
وممن أخذ عنه البخاري ، فقال هشام بن عمار : سمعت ابن عدي قسطنطين يقول : حضرت مجلسه ، فقال له المستملي : من ذكرت ؟
فقال : حدثنا بعض مشايخنا ، ثم نعس ، فقال لهم المستملي : لا تنتفعون به ، فجمعوا له شيئا فأعطوه ، فكان بعد ذلك يملي عليهم .
بل قال الإسماعيلي : عن عبد الله بن محمد بن سيار : إن هشاما كان يأخذ على كل ورقتين درهما ويشارط ، ولذلك قال : عزمت زمانا أن أمسك عن حديث ابن وارة هشام ; لأنه كان يبيع الحديث . وقال صالح بن محمد : إنه كان لا يحدث ما لم يأخذ .
، نزيل علي بن عبد العزيز البغوي مكة ، وأحد الحفاظ المكثرين مع علو الإسناد ; فإنه كان يطلب على التحديث . في آخرين سوى هؤلاء ممن أخذه ( ترخصا ) أي : سلوكا للرخصة فيه للفقر والحاجة ، فقد قال ومنهم : سمعت علي بن خشرم يقول : يلومونني على الأخذ ، وفي بيتي ثلاثة عشر نفسا ، وما فيه رغيف . أبا نعيم الفضل
[ ص: 97 ] ورآه بشر بن عبد الواحد في المنام بعد موته فسأله : ما فعل بك ربك في ذلك ؟ فقال : نظر القاضي في أمري فوجدني ذا عيال فعفا عني .
وكذا كان البغوي يعتذر بأنه محتاج ، وإذا عاتبوه على الأخذ حين يقرأ كتب أبي عبيد على الحاج إذا قدم عليه مكة يقول : يا قوم ، أنا بين الأخشبين ، إذا خرج الحاج نادى أبو قبيس قعيقعان : من بقي ؟ فيقول : بقي المجاورون ، فيقول : أطبق .
لكن قد قبحه ثلاثا ، ولم يرو عنه شيئا ، لا لكذبه ، بل لأنه اجتمع قوم للقراءة عليه ، فبروه بما سهل عليهم ، وفيهم غريب فقير ، فأعفوه لذلك ، فأبى إلا أن يدفع كما دفعوا ، أو يخرج عنهم ، فاعتذر الغريب بأنه ليس معه إلا قصعة ، فأمره بإحضارها ، فلما أحضرها حدثهم . النسائي
ونحوه أن أبا بكر الأنصاري المعروف بقاضي المرستان شم من أبي الحسن سعد الخير الأنصاري رائحة طيبة ، فسأله عنها ، فقال : هي عود ، فقال : ذا عود طيب ، فحمل إليه نزرا قليلا ، ودفعه لجارية الشيخ ، فاستحيت من إعلامه به لقلته .
وجاء على عادته ، فاستخبر من الشيخ عن وصول العود ، فقال له : لا ، وطلب الجارية ، فاعتذرت لقلته ، وأحضرت ذلك ، فأخذ الشيخ بيده وقال سعد الخير لسعد الخير : أهو هذا ؟ قال : نعم ، فرمى به إليه وقال : لا حاجة لنا فيه .
ثم طلب منه أن يسمع ولده جزء الأنصاري ، فحلف أن لا يسمعه إياه إلا أن يحمل إليه خمسة أمناء عود ، فامتنع وألح على الشيخ في تكفير يمينه ، [ ص: 98 ] فما فعل ولا حمل هو شيئا ، ومات الشيخ ولم يسمع ابنه الجزء . ولكنه في المتأخرين أكثر . سعد الخير
ومنهم ، فروى من كان يمتنع من الأخذ من الغرباء خاصة في معجم السفر له من طريق السلفي قال : اجتمعنا سهل بن بشر الإسفرائيني بمصر طبقة من طلبة الحديث ، فقصدنا علي بن منير الخلال ، فلم يأذن لنا في الدخول ، فجعل عبد العزيز بن علي النخشبي فاه على كوة بابه ، ورفع صوته بقوله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( من سئل عن علم الحديث ) ) ، قال : ففتح الباب ودخلنا ، فقال : لا أحدث اليوم إلا من وزن الذهب ، فأخذ من كل من حضر من المصريين ، ولم يأخذ من الغرباء شيئا ، وكان فقيرا لم يكن له من الدنيا شيء ، وهو من الثقات .
ومنهم ، غير أنه لا يمتنع من قبول ما يعطى بعد ذلك أو قبله . من لم يكن يشرط شيئا ولا يذكره
ومنهم . من كان يقتصر في الأخذ على الأغنياء
ومنهم . من كان يمتنع في الحديث ونحوه
قال أبو أحمد بن سكينة : قلت للحافظ ابن ناصر : أريد أن أقرأ عليك شرح ديوان المتنبي لأبي زكريا ، وكان يرويه عنه ، فقال : إنك دائما تقرأ علي [ ص: 99 ] الحديث مجانا ، وهذا شعر ، ونحن نحتاج إلى دفع شيء من الأجر عليه ; لأنه ليس من الأمور الدينية .
قال : فذكرت ذلك لوالدي ، فدفع إلي كاغدا فيه خمسة دنانير ، فأعطيته إياه ، وقرأت عليه الكتاب - انتهى . وكان مع ذلك فقيرا .
ونحوه أن أبا نصر محمد بن موهوب البغدادي الضرير الفرضي كان يأخذ الأجرة ممن يعلمه الجبر والمقابلة دون الفرائض والحساب ، ويقول : الفرائض مهمة ، وهذا من الفضل . حكاهما ابن النجار .
ومنهم من كان لا يأخذ شيئا ، ولكن يقول : إن لنا جيرانا محتاجين ، فتصدقوا عليهم ، وإلا لم أحدثكم ، قاله عن شيخه : إنه كان يفعله . زيد بن الحباب
ثم إن ما تقدم [ من كون الأخذ خارما ، هو حيث لم يقترن بعذر من فقر مرخص ، أو تعطيل عن كسب ] ( فإن ) كان ذا كسب ، ولكن ( نبذ ) بنون ثم موحدة وذال معجمة ; أي : ألقى ( شغلا به ) أي : لاشتغاله بالتحديث ( الكسب ) لعياله ( أجز ) أيها الطالب له الأخذ ( إرفاقا ) أي : لأجل الإرفاق به في معيشته عوضا عما فاته من الكسب من غير زيادة ، فقد ( أفتى به ) أي : بجواز الأخذ ( الشيخ ) الولي ( أحد أئمة الشافعية ، حين سأله مسند أبو إسحاقا ) الشيرازي العراق في وقته أبو الحسين بن النقور ; لكون أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب [ ص: 100 ] لعياله ، فكان يأخذ كفايته ، وعلى نسخة بخصوصها دينارا . طالوت بن عباد أبي عثمان الصيرفي
واتفق أنه جاء غريب فقير فأراد أن يسمعها منه ، فاحتال بأن [ اقتصر على كنية طالوت ; لكونه لم يكن يعرفه بها ، وذلك أنه قال له : أخبرك ] قال : حدثنا أبو القاسم بن حبابة البغوي ، حدثنا أبو عثمان الصيرفي ؟ وساق النسخة إلى آخرها ، فبلغ مقصوده بدون دينار .
وسبق إلى الإفتاء بالجواز ، فقال ابن عبد الحكم : سمعت خالد بن سعد الأندلسي وغيره يقولون : جمعنا محمد بن فطيس لابن أخي ابن وهب ، يعني أحمد بن عبد الرحمن ، دنانير ، وأعطيناه إياه ، وقرأنا عليه موطأ عمه وجامعه ، قال محمد : فصار في نفسي من ذلك ، فأردت أن أسأل ، فقلت : أصلحك الله ، العالم يأخذ على قراءة العلم ؟ فاستشعر فيما ظهر لي أني إنما أسأله [ ص: 101 ] عن ابن عبد الحكم أحمد ، فقال لي : جائز ، عافاك الله ، حلال أن لا أقرأ لك ورقة إلا بدرهم ، ومن أخذني أن أقعد معك طول النهار ، وأدع ما يلزمني من أسبابي ونفقة عيالي .
إذا علم هذا فالدليل لمطلق الجواز كما تقدم القياس على القرآن ; فقد ; لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( ( جوز أخذ الأجرة على تعليمه الجمهور ) ) . أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله
والأحاديث الواردة في الوعيد على ذلك لا تنهض بالمعارضة ; إذ ليس فيها ما تقوم به الحجة ، خصوصا وليس فيها تصريح بالمنع على الإطلاق ، بل هي وقائع أحوال محتملة للتأويل لتوافق الصحيح ، وقد حملها بعض العلماء على الأخذ فيما تعين عليه تعليمه ، لا سيما عند عدم الحاجة .
وكذا يمكن أن يقال في تفسير أبي العالية لقوله تعالى : ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ; أي : لا تأخذوا عليه أجرا ، وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول : يا ابن آدم ، علم مجانا كما علمت مجانا .
وليس في قول عازب لأبي بكر ، حين سأله أن يأمر ابنه البراء رضي الله عنه بحمل ما اشتراه منه معه : لا حتى يحدثنا بكذا ، متمسك للجواز ; لتوقفه كما قال [ ص: 102 ] شيخنا على أن عازبا لو استمر على الامتناع من إرسال ابنه لاستمر أبو بكر على الامتناع من التحديث ، يعني : فإنه حينئذ لو لم يجز لما امتنع أبو بكر ، ولا أقر عازبا عليه ، ولكن ليس هذا بلازم ; لاحتمال أن يكون امتناعه تأديبا وزجرا ، وتقريره عازبا فلكونه فهم عنه قصد المبادرة لإسماع ابنه ، وكونه حاضرا معه خوفا من الفوات ، لا خصوص هذا المحكي . وعلى هذا ، فما بقي فيهما متمسك .
وعلى كل حال ، فقد سبق للمنع من الاستدلال به الخطابي ، وقال : ومن المهم هنا أن نقول : قد علم أن حرص الطلبة للعلم قد فتر ، لا بل قد بطل ، وابن الجوزي ، وإلا فإذا رأى طالب الأثر أن الإسناد يباع ، والغالب على الطلبة الفقر ، ترك الطلب ، فكان هذا سببا لموت السنة ، ويدخل هؤلاء في معنى الذين يصدون عن ذكر الله ، وقد رأينا فينبغي للعلماء أن يحببوا لهم العلم ، وأما من كان على السيرة التي ذممناها لم يبارك له على غزارة علمه - انتهى . من كان على مأثور السلف في نشر السنة بورك له في حياته وبعد مماته
وقد حكى ابن الأنماطي الحافظ قال : رغبت راوي مسند أبا علي حنبل بن عبد الله البغدادي الرصافي أحمد في السفر إلى الشام ، وكان فقيرا جدا ، [ ص: 103 ] فقلت له : يحصل لك من الدنيا طرف صالح ، ويقبل عليك وجوه الناس ورؤساؤهم ، فقال : دعني ، فوالله ما أسافر لأجلهم ، ولا لما يحصل منهم ، وإنما أسافر خدمة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أروي أحاديثه في بلد لا تروى فيه .
قال : ولما علم الله منه هذه النية الصالحة أقبل بوجوه الناس إليه ، وحرك الهمم للسماع عليه ، فاجتمع إليه جماعة لا نعلمها ، اجتمعت في مجلس سماع قبل هذا بدمشق ، بل لم يجتمع مثلها قط لأحد ممن روى المسند ، نسأل الله الإخلاص قولا وفعلا .