مسألة : ( قال الشافعي ) : " أن يضرب بيديه على والتيمم وهو التراب من كل أرض سبخها ومدرها وبطحائها وغيره مما يعلق باليد منه غبار ما لم تخالطه نجاسة " . الصعيد
قال الماوردي : وهذا كما قال ، ، ولا يجوز بما سواه من نورة أو كحل وقال التيمم مختص بالتراب ذي الغبار أبو حنيفة يجوز التيمم بكل إذا لم تدخله صنعة آدمي مثل مسحوق الآجر وغيره ، وقال ما يصعد من الأرض من زرنيخ أو نورة أو كحل مالك يجوز استدلالا بقوله تعالى : التيمم بكل ما اتصل بالأرض وإن لم يكن منها كالأشجار والنبات فتيمموا صعيدا طيبا والصعيد هو ما تصاعد من الأرض ، وبرواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فلما كان غير التراب من الأرض مساويا للتراب في كونه مسجدا اقتضى أن يكون غير التراب مساويا للتراب ، في كونه طهورا ، قالوا ولأنه جنس من الأرض فجاز التيمم به قياسا على التراب ، قالوا : ولأن الطهارة إذا وقعت بالجامد مسحا لم يختص بذلك الجنس نوعا كالاستنجاء والدباغ . " جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا
ودليلنا قوله تعالى : فتيمموا صعيدا طيبا [ المائدة : 6 ] .
والصعيد : اسم للتراب في اللغة ، وقد حكاه الشافعي عنهم ، وهو قدوة فيهم ، وقد سئل علي وابن مسعود عن الصعيد فقالا : هو التراب الذي يغبر يديك ، ويشهد لما فسره الشافعي ، قوله تعالى : وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا [ الكهف : 8 ] يعني أرضا لا نبات عليها ولا زرع ، فبطل أن يكون اسما لكل ما يصعد من الأرض فإن قيل : فالصعيد مشتق مما تصعد من الأرض فكان حمله على اشتقاقه أولى .
[ ص: 238 ] قيل : وإن كان اشتقاقه من هذا فإطلاقه يتناول التراب لأن الكحل والزرنيخ لا يسمى صعيدا ، وإذا كان للاسم إطلاق واشتقاق كان حمله على إطلاقه أولى من حمله على اشتقاقه ، ألا ترى أن من حلف لا يركب دابة ، حنث بركوب الخيل ، ولم يحنث بركوب النعم ، وإن كان اسم الدابة مشتقا مما يدب .
ثم الدليل عليه من طريق السنة ما رواه الشافعي ، عن إبراهيم بن محمد وعبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع محمد بن علي يقول : عليا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت ما لا يعطى نبي من أنبياء الله نصرت بالرعب ، وأعطيت مفاتيح الأرض ، وسميت أحمد ، وجعل لي التراب طهورا ، وجعلت أمتي خير الأمم " فموضع الدليل منه أنه لو كان غير التراب طهورا له لذكره فيما من الله عليه ، وروى " سمعت ابن شعيب عن أبي ذر قال : " فلما جعل اكتفاء " قلت يا رسول الله أصيب أهلي وإن لم أقدر على الماء ، قال : " أصب أهلك وإن لم تقدر على الماء عشر سنين ، فإن التراب كافيك أبي ذر في التيمم بالتراب دل على أنه لا يكتفي بغير التراب ، ومن طريق القياس أنها طهارة حكمية فوجب أن لا يقع التخيير فيما يتطهر به كالوضوء ، وإن شئت قلت : لأنها إحدى الطهارتين فلم يتخير فيها بين جنسين مختلفين كالوضوء ، ولأنه جوهر مستودع في الأرض فلم يجز التيمم به كالفضة والذهب ، ولأن الطهارة تتنوع نوعين جامدا ومائعا ، ثم ثبت أنها في المائع تختص بأعم المائعات وجودا وهو الماء ، فكذلك في الجامد يجب أن تختص بأعم الجامدات وجودا وهو التراب ، ولأن الله تعالى إنما نقلنا من الماء عند عدمه وتعذره إلى ما هو أيسر وجودا وأهون فقدا ، والكحل والزرنيخ أعز في أكثر الأحوال وجودا من الماء ، فلم يجز أن ننتقل عن الأهون إلى [ ص: 239 ] الأعز ، فأما الجواب عن الآية فهو ما تقدم من الاستدلال إليها ، فأما حديث أبي هريرة ، وقوله : " فالأرض اسم ينطلق على الطين دون الزرنيخ والكحل فلم يكن في الاسم عموم ، ولا في الظاهر دليل ، وأما قياسهم على التراب فمنتقض بالفضة والذهب ، ثم المعنى في التراب أنه أعم الجامدات وجودا كما أن الماء أعم المائعات وجودا ، وأما قياسهم على الاستنجاء والدباغ فلا يصح ، الاستنجاء عندهم ليس بواجب فلم يجز أن يجعل أصلا لواجب ، وعندنا إنه واجب وليست الأحجار مزيلة لنجاسته فاستوى في تحقيقها سائر الجامدات ، وأما الدباغ فليست عبادة فلم يجز أن يجعل أصلا لعبادة ، ثم المعنى في الدباغ تنشيف الفضول وتطييب الرائحة فاستوى حكم ما أثر ذلك فيها ، والتيمم طهارة حكمية فألحقت بجنسها من الأحداث كلها . " وجعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا