قال الشافعي رحمه الله : " وأحب السواك للصلوات ، وعند كل حال تغير فيها الفم ، للاستيقاظ من النوم والأدم وكل ما يغير الفم ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " . لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة
قال الشافعي : ولو كان واجبا لأمرهم به شق أو لم يشق .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، عندنا سنة مستحبة ، وفضيلة حسنة ، لما رواه السواك الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن محمد بن إسحاق ، عن ابن أبي عتيق ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . السواك مطهرة للفم مرضاة للرب
وروي مثراة للمال ، منماة للولد .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " . طهروا أفواهكم بالسواك ، فإنها مسالك القرآن
[ ص: 83 ] وروي أن الناس استبطأوا الوحي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وكيف لا يبطئ وأنتم لا تسوكون أفواهكم ، ولا تقلمون أظفاركم ، ولا تنقعون براجمكم .
وروى الزبير ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " . فإذا ثبت بما ذكرنا أن السواك مأمور به ، فهو سنة ليس بواجب ، وقال عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، والمضمضة ، والاستنشاق ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتفاض الماء يعني : " الاستنجاء داود بن علي : . وقال السواك واجب ، لكن لا يقدح تركه في صحة الصلاة إسحاق ابن راهويه : السواك واجب ، فإن تركه عامدا بطلت صلاته ، وإن تركه ناسيا لم تبطل ، واستدلا جميعا على وجوبه بما . وهذا أمر يقتضي الوجوب ، والقلح في الأسنان : الصفرة . روي أن قوما دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فرأى في أسنانهم صفرة ، فقال : ما لي أراكم تدخلون علي قلحا استاكوا
وروى سفيان ، عن أبي الحويرث ، عن نافع ، عن ابن جبير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خشيت أن يدردني " . أي : تتناثر أسناني ، فأصير أدرد من كثرة السواك ، ومن قول الشاعر :
أخذت بالجمة رأسا ارعوا وبالثنايا الواضحات الدردرا
والدليل على أنه ليس بواجب ، ما رواه الشافعي ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " . وفيه دليلان : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير [ ص: 84 ] العشاء وبالسواك عند كل صلاةأحدهما : ما ذكره الشافعي ، أنه لو كان واجبا ، لأمرهم به ، شق أو لم يشق .
والثاني : أن قوله : " لأمرتهم " به دليل على أنه لم يأمرهم به ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " جبريل يوصيني بالسواك حتى خشيت أن يفرضه " . فدل على أنه لم يفرض ، وروي عن النبي عليه السلام أنه قال : " ما زال كتب الوتر علي ولم يكتب عليكم ، وكتب الأضحى علي ولم يكتب عليكم وكتب السواك علي ولم يكتب عليكم " . وهذا نص ، وأما الجواب عن استدلالهم بقوله عليه السلام : استاكوا فهو أنه أمر به لإزالة القلح ، وإزالة القلح ليس بواجب ، وكذلك السواك ليس بواجب ، وأما الخبر الآخر ، فقد بينه " حتى خشيت أن يفرضه " فإذا ثبت أنه ليس بواجب ، فهو مستحب في خمسة أحوال :
أحدها : ، لرواية عند القيام من النوم أبي وائل ، عن حذيفة بن اليمان ، . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل ، شوص فاه بالسواك
وقال أبو عبيد : الشوص الغسل . والموص مثله ، وأنشد لامرئ القيس :
بأسود ملتف الغدائر وارد وذي أشر تسوفه وتشوص
والحالة الرابعة : عند قراءة القرآن ، لقوله عليه السلام : " . " السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب : إما عند كثرة الكلام ، وإما بطول السكوت ، وإما بشدة الجوع ، وإما لأكل ما يغير الفم من الأشياء المريحة . قال والفم قد يتغير في أربعة أحوال الشافعي : والاستيقاظ من النوم ، والأزم ، وفي الأزم تأويلان :
أحدهما : أنه الجوع ، ومنه ما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل الحارث بن كلدة ، وكان طبيب العرق فقال : ما ألذ ؟ فقال : الأكل ، فقال : وما الدواء ؟ قال : الأزم . يعني الجوع والاحتماء . وقال كعب بن زهير :
المطعمون إذا ما أزمة والطيبون ثيابا كلما عرقوا
فإذا تقرر ما وصفنا ، فقد قال الخليل بن أحمد : السواك مأخوذ من الاضطراب والتحرك ، من قولهم : تساوكت الإبل ، إذا اضطربت أعناقها من الهزال ، وأنشد قول الشاعر :
إلى الله أشكو ما أرى بجيادنا تساوك هزلى مخهن قليل