الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ويخرجها السلطان فيما يلزمها ، فإذا فرغت ردها " . قال الماوردي : وهذا صحيح : لأن وجوب العدة عليها لا يمنع من استغناء الحقوق منها ، والحقوق ضربان : حقوق الله تعالى كالحدود ، وحقوق الآدميين كالأموال . فأما حقوق الآدميين فهي موقوفة على مطالبهم ، فإن أخروها في العدة كانت على حالها مقيمة إلى انقضائها ، وإن طالبوها بحقوقهم لم يمنعوا ، فإن خرجت إليهم من حقوقهم في ديون قضتها ، أو ودائع ردتها أقرت في مسكنها ، وإن اقتضت المحاكمة [ ص: 269 ] عند التناكر روعي حالها ، فإن كانت برزة أخرجها السلطان للمحاكمة ، ثم ردها إلى العدة بعد انبرام الحكم ، وإن كانت خفرة أنفذ السلطان إليها من يحكم بينها وبين خصومها في مسكنها كما يفعل ذلك من غير المعتدة من اعتبار البروز والخفر في إخراجها وإقرارها . وأما حقوق الله تعالى في الحدود فيعجل استيفاؤها ولا يؤخر بالعدة ، وإن خرجت بالمرض : لأن استيفاءها في المرض مفض إلى تلفها بخلاف العدة ، فإذا أراد السلطان استيفاء الحدود منها روعي حالها أيضا في البروز والخفر ، فإن كانت خفرة أقام الحد عليها في منزلها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أنيس اغد إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها

                                                                                                                                            وإن كانت برزة أخرجها لإقامة الحد عليها ، قوله تعالى : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ الطلاق : 1 ] والزنا من أكبر الفواحش فإن كان الحد بما في الزنا فكانت من ذوات الشهور والأقراء رجمت ، ولم ينتظر بها انقضاء العدة ؛ لأن الأصل براءة الرحم ، والعدة موضوعة لمنعها من الأزواج ورجمها أمنع ، وإن كانت من ذوات الحمل أخرت حتى تضع أو ينفش حملها ؛ لأن الحد لا يقام على حامل ، وإن كان الحد جلدا في الزنا جلدت ، وإن كانت حائلا ففي تغريبها قبل انقضاء العدة وجهان : أحدهما : لا تغرب إلا بعد انقضاء العدة تغليبا لحق الزوج في تحصين مائه . والوجه الثاني : تغرب حولا إلى أحصن المواضع ويراعى تحصينها في التغريب في بقية العدة ، فإن استكملت حول التغريب قبل انقضاء العدة وجب ردها إلى منزلها لتقضي فيه بقية العدة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية