مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " ولو أكل وإن لم يحدث غير الأمر الأول فلا يأكل وسواء استشلاه صاحبه أو غيره ممن تجوز ذكاته " . خرج الكلب إلى الصيد من غير إرسال صاحبه فزجره فانزجر وأشلاه فاستشلى فأخذ وقتل
قال الماوردي : قد ذكرنا أن إرسال الكلب شرط في إباحة صيده ، فإن استرسل [ ص: 21 ] بغير إرسال لم يحل صيده إلا أن يدرك حيا ، فيذكى ، وهو قول جمهور الفقهاء ، وشذ الأصم وابن جرير الطبري ، فلم يعتبرا الإرسال : لأنه بالتعليم قد صار مرسلا ، وهذا خطأ : لأن التعليم هو أن لا يسترسل حتى يرسل ، وينزجر عن الاسترسال . فإذا كان كذلك ، واسترسل الكلب لنفسه ، فله مع صاحبه أربعة أحوال :
أحدهما : أن يتركه على استرساله ، ولا يشليه ، ولا يزجره ، فلا يؤكل ما صاده .
والحالة الثانية : أن يزجره ، فلا ينزجر ، فلا يؤكل صيده : لأنه بالإسراع بعد الزجر أسوأ حالا .
والحالة الثالثة : أن يزجره ثم يشليه ، فيستشلي ، فيؤكل صيده : لأنه صاده بعد الانزجار عن إرساله .
والحالة الرابعة : أن يشليه بعد الاسترسال ، ويغريه بالصيد ، فيمضي على إسراع بعد إشلائه وإغرائه ، سواء زاد إسراعه بالإغراء أو لم يزد : فإنه لا يؤكل .
وقال أبو حنيفة : يؤكل استدلالا بأن ما تقدم من استرساله قد انقطع بما حدث من إغوائه كما ينقطع زجره قبل إغرائه ، فوجب أن يكون الحكم معتبرا بالآخر دون الأول : ولأنه إذا اجتمع استرسال وإغراء تعلق الحكم بالإغراء دون الاسترسال كالصيد إذا استرسل على طلب ، فأغراه به محرم ضمنه الجزاء تغليبا لحكم الإغراء ، كذلك في إباحة الأكل .
ودليلنا : أن الاسترسال حاظر والإغراء مبيح ، ، كما لو اجتمع على إرساله مسلم ومجوسي : ولأن الإغراء بعد الاسترسال موافق له ، فصار مقويا لحكمه ، وزائدا عليه ، فلم يزد حكمه بالقوة والزيادة ، كما لو أرسله مجوسي وأغراه مسلم ، أو أرسله مسلم وأغراه مجوسي . وإذا اجتمع الحظر والإباحة يغلب حكم الحظر على الإباحة
فأما الجواب عن قوله : إن الإغراء قد قطع الاسترسال كالزجر ، فإنه إنما يقطع الاسترسال ما خلفه ولا يقطع ما وافقه ، والزاجر مخالف للاسترسال ، فصار قاطعا ، والإغراء موافق له ، فلم يكن قاطعا .
وأما الجواب عن قوله : إن اجتماع الاسترسال والإغراء موجب لتغليب حكم الإغراء كالمحرم ، فهو أنه فيه لأصحابنا وجهين :
أحدهما : أنه لا ضمان على المحرم بإغرائه ، تغليبا لحكم الاسترسال ، ويصير دليلا لنا لا علينا .
والوجه الثاني : يضمن بالإغراء ، وإن لم يصر مأكولا بالإغراء : لأنه إذا اجتمع في هذا الضمان إيجاب وإسقاط ، يغلب حكم الإيجاب على الإسقاط ، وإذا اجتمع في المأكول حظر وإباحة يغلب حكم الحظر على الإباحة . ألا ترى أن ضمنه بالجزاء تغليبا لحكم الإيجاب ، ولا يؤكل تغليبا لحكم الحظر ؟ كذلك في مسألتنا ، فلا يكون إسقاطا لحكم الاسترسال بالإغراء . الصيد المتولد من [ ص: 22 ] بين مأكول وغير مأكول إذا قتله المحرم