فصل
فيما يصح من تصرفات المحجور عليه بالسفه ، وما لا يصح
وفيه مسائل .
الأولى : ، كالبيع ، والشراء ، والإعتاق ، والكتابة ، والهبة ، والنكاح ، وسواء اشترى بعين أو في الذمة وفي . لا تصح منه العقود التي هي مظنة الضرر المالي
[ ص: 184 ] الشراء في الذمة وجه ، أنه يصح تخريجا من العبد ، وليس بشيء . وإذا باع وأقبض ، استرد من المشتري ، فإن تلف في يده ، ضمن . ولو اشترى وقبض ، أو استقرض فتلف المأخوذ في يده ، أو أتلفه ، فلا ضمان لأن الذي أقبضه هو المضيع ، ويسترد وليه الثمن إن كان أقبضه . وسواء كان من عامله عالما بحاله ، أم جاهلا لتقصيره بالبحث عن حاله . ولا يجب على السفيه أيضا الضمان بعد فك الحجر ؛ لأنه حجر ضرب لمصلحته فأشبه الصبي ، لكن الصبي لا يأثم ، والسفيه يأثم لأنه مكلف . وفي وجه ، يضمن بعد فك الحجر إن كان أتلفه بنفسه ، وهو شاذ .
قلت : هذا إذا أقبضه البائع الرشيد . فأما إذا أقبضه السفيه بغير إذن البائع ، أو أقبضه البائع ، وهو صبي أو محجور عليه بسفه ، فإنه يضمنه بالقبض قطعا ، صرح به أصحابنا وفقهه ظاهر . - والله أعلم - .
هذا كله إذا استقل بهذه التصرفات ، فأما إذا أذن له الولي ، فإن أطلق الإذن ، فهو لغو وإن عين تصرفا وقدر العوض ، فوجهان . أصحهما عند : الصحة ، كما لو أذن في النكاح ، فإنه يصح قطعا ، وإن كان بعضهم قد أشار إلى طرد الخلاف فيه . وأصحهما عند الغزالي البغوي : لا يصح كما لو أذن للصبي .
قلت : هذا الثاني أصح عند الأكثرين منهم الجرجاني ، والرافعي في " المحرر " وجزم به الروياني في الحلية . - والله أعلم - .
ويجري الوجهان فيما لو وكله رجل بشيء من هذه التصرفات ، هل يصح عقده للموكل ، وفيما لو اتهب أو قبل الوصية لنفسه .
قلت : الأصح : صحة إتهابه وبه قطع الجرجاني . - والله أعلم - .
[ ص: 185 ] ولو ، فلا ضمان عليه . وإن أتلفه ، فقولان كما لو أودع صبيا . أودعه إنسان شيئا فتلف عنده
المسألة الثانية : ، كالصبي . وفيما إذا أسنده إلى ما قبل الحجر ، وجه أنه يصح تخريجا من المفلس على قول ، وليس شيء . ولو أقر بإتلاف أو جناية توجب المال ، لم يقبل على الأظهر كدين المعاملة . ثم ما رددناه من إقراره لا يؤاخذ به بعد فك الحجر . ولو لو أقر بدين معاملة لم يقبل ، سواء أسنده إلى ما قبل الحجر أو بعده ، قبل . ولو أقر بما يوجب حدا أو قصاصا قبل في القطع . وفي المال قولان كالعبد إذا أقر بالسرقة . هذا إن لم يقبل إقراره بالإتلاف . فإن قبلناه فهنا أولى . ولو أقر بسرقة توجب القطع ثبت على الصحيح ؛ لأنه يتعلق باختيار غيره ، لا بإقراره . ولو أقر بقصاص وعفا المستحق على مال ، ثبت وينفق على الولد المستلحق من بيت المال . أقر بنسب
قلت : كذا قال الأصحاب في كل طرقهم : يقبل إقراره بالنسب ، وينفق عليه من بيت المال قطعا . وشذ الروياني فقال في " الحلية " : يقبل إقراره بالنسب في أصح الوجهين ، وينفق عليه من ماله ، وهذا شاذ نبهت عليه لئلا يغتر به . ولو أقر بالاستيلاد ، لم يقبل . - والله أعلم - .
سمعت ، فإن لم تكن بينة ، وقلنا : النكول ورد اليمين كالبينة ، سمعت ، وإن قلنا : كالإقرار فلا . ومن ادعى عليه دين معاملة قبل الحجر وأقام بينة
الثالثة : ، وشبه ذلك ، إذ لا تعلق لها بالمال . ولو كان السفيه مطلقا مع حاجته إلى النكاح ، سري بجارية فإن تضجر منها ، أبدلت . يصح طلاقه وخلعه ، وظهاره ، ورجعته ، ونفيه النسب باللعان
الرابعة : ، لكن لا يفرق الزكاة بنفسه ولو حكمه في العبادات ، كالرشيد
[ ص: 186 ] بغير إذن الولي ، انعقد إحرامه . فإن أحرم بحج تطوع ، وزاد ما يحتاج إليه في سفره على نفقته المعهودة ، ولم يكن له في طريقه كسب يفي بتلك الزيادة ، فللولي منعه . ثم المذهب وبه قطع الأكثرون ، أنه كالمحصر يتحلل بالصوم ، إذا قلنا : لدم الإحصار بدل ؛ لأنه ممنوع من المال ، ونقل الإمام فيه وجهين : هذا ، والثاني أن عجزه عن النفقة لا يلحقه بالمحصر ، بل هو كالمفلس الفاقد للزاد والراحلة ، لا يتحلل إلا بلقاء البيت . وإن لم يزد ما يحتاج إليه على النفقة المعهودة ، أو كان يكتسب في الطريق ما يفي بالزيادة ، لم يمنعه الولي ، بل ينفق عليه من ماله ، ولم يسلمه إليه ، بل إلى ثقة لينفق عليه في الطريق . وإن أحرم . ، لم ينفق عليه الولي كما ذكرنا . قال في " التتمة " : والمنذورة بعد الحجر ، كالمنذورة قبله إن سلكنا بالنذر مسلك واجب الشرع ، وإلا فهي كحجة التطوع . أحرم بحجة مفروضة ، كحجة الإسلام والنذر قبل الحجر
قلت : ولو ، لزمه المضي فيه والقضاء . وهل يعطيه الولي نفقة القضاء ؟ وجهان . حكاهما أفسد حجه المفروض بالجماع الماوردي . - والله أعلم - .
ولو ، لم يصح . وفي الذمة ينعقد . ولو حلف ، انعقدت بيمينه ويكفر عند الحنث بالصوم كالعبد . نذر التصدق بعين مال
قلت : وفيه وجه حكاه صاحب " الحاوي " ، والقاضي حسين ، والمتولي : أنه يلزمه التكفير بالمال ، فيجب على الولي إخراج الكفارة من مال السفيه . قال القاضي : فإن كثر حنثه ، لزمه الكفارة ، ولا يخرجها الولي ، ولا يصح صومه ، بل تبقى عليه حتى يعسر ، فيصوم إذا قلنا : الاعتبار في الكفارة بحال الأداء . وإذا قلنا : بالصحيح أن واجبه الصوم ، فلم يصم حتى فك حجره . قال الماوردي : إن قلنا يعتبر في الكفارة حال الأداء ، لم يجزئه الصوم مع اليسار . وإن اعتبرنا حال الوجوب ، [ ص: 187 ] ففي إجزاء الصوم وجهان ؛ لأنه كان من أهل الصوم ، إلا أنه كان موسرا . - والله أعلم - .