الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      ( الفصل الرابع والخامس ) ما في هذه الأبيات :


      وكل ما خالف للوحيين فإنه رد بغير مين     وكل ما فيه الخلاف نصبا
      فرده إليهما قد وجبا     فالدين إنما أتى بالنقل
      ليس بالأوهام وحدس العقل

      .

      [ ص: 1225 ] ( وكل ما ) أي أمر كان ( خالف للوحيين ) نصوص الكتاب والسنة ; لأن السنة وحي ثان أيضا ، كما قال تعالى : ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ( النجم2 5 ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوتيت القرآن ومثله معه ، الحديث .

      ( فإنه ) أي ذلك الأمر المخالف ( رد ) أي مردود على مبتدعه من كان ( بغير مين ) بدون شك ، قال الله تبارك وتعالى : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ( آل عمران 85 ) ودين الإسلام هو الذي أنزل الله تعالى به كتابه على رسوله ; ليبينه للناس ، فتلاه الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته ، وبينه لهم بسنته من أقواله وأفعاله ، وتقريراته صلى الله عليه وسلم ، وتقدم في الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم : وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة .

      وقال تعالى : ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ( البقرة 130 ) وقال تعالى : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا ( النساء 125 ) وقال تعالى : أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ( آل عمران 83 ) وقال تبارك وتعالى : اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ( الأعراف 3 ) وقال تبارك وتعالى : ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ( الجاثية 18 ) الآيات ، وقال تعالى : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ( العنكبوت 51 ) وقال تبارك وتعالى : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( التوبة 31 ) الآية ، وقال تعالى : أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ( الشورى 21 ) الآية [ ص: 1226 ] ، وغير ذلك من الآيات .

      وفي الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد .

      وفي رواية مسلم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .

      وقال صلى الله عليه وسلم : لقد تركتكم على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك .

      وفي السنن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة .

      وفيها عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - أنه قال : ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا ، فقال : ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة . زاد في رواية : وإنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء ، كما يتجارى الكلب لصاحبه . وفي لفظ : بصاحبه ، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله .

      [ ص: 1227 ] وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها ، شبرا بشبر وذراعا بذراع . فقيل : يا رسول الله ، كفارس والروم ؟ فقال : ومن الناس إلا أولئك ؟ .

      وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموه . قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ . والأحاديث في هذا الباب كثيرة .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية