الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      ( توكل ) أي ومن أنواع العبادة التوكل على الله عز وجل ، وهو اعتماد القلب [ ص: 446 ] عليه وثقته به ، وإنه كافيه . قال الله عز وجل : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) ( المائدة : 23 ) فجعله تعالى شرطا في الإيمان كما وصف المؤمنين أنهم أهله إذ قال تعالى : ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) وقال موسى لقومه : ( إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ) ( يونس : 84 ) الآيات .

      وقال تعالى عن رسله إذ قالوا لقومهم : ( وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون ) ( إبراهيم : 11 - 12 ) وقال تعالى عن نبيه هود عليه السلام : ( إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ) ( هود : 56 ) الآية . وكذلك عن نبيه نوح عليه السلام إذ قال لقومه : ( ياقوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ) ( يونس : 71 ) الآية . وقال تعالى عن شعيب : ( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) ( هود : 88 ) وقال تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( فتوكل على الله إنك على الحق المبين ) ( النمل : 79 ) وقال تعالى : ( ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه ) ( هود : 123 ) وقال تعالى : ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) ( المزمل : 9 ) .

      وقال تعالى : ( فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) ( التوبة : 129 ) وقال تعالى في مدح عباده المؤمنين : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) ( آل عمران : 173 ) وقال تعالى فيهم : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) ( الأنفال : 2 ) وقال تبارك وتعالى : ( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) ( الشورى : 36 ) وقال تعالى : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) ( الطلاق : 3 ) أي كافيه وقال تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ) ( الزمر : 36 ) الجواب بلى . والآيات في هذا الباب كثيرة . [ ص: 447 ] وقال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) ( آل عمران : 173 ) : قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين : ( قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) ( آل عمران : 173 ) .

      وفي الصحيح عنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بلا حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " وفي السنن : " الطيرة شرك ، الطيرة شرك " قال ابن مسعود : وما منا إلا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل . وفي جامع الترمذي وغيره من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " . وفي حديث الإيمان بالقدر : " واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك " .

      وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجه والدارمي عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني لأعلم آية في كتاب الله عز وجل لو أخذ الناس بها لكفتهم : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ( الطلاق : 2 ) " . [ ص: 448 ] ولابن ماجه عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن قلب ابن آدم لكل واد شعبة ، فمن أتبع قلبه الشعب كلها ، لم يبال الله بأي واد هلك ، ومن توكل على الله كفاه الشعب " وغير ذلك من الآيات والأحاديث .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية