الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 690 ] ولا قاتل عمدا عدوانا ; وإن أتى بشبهة ، [ ص: 691 ] كمخطئ من الدية ،

التالي السابق


( ولا ) يرث ( قاتل ) مورثه ( عمدا عدوانا ) بضم العين أي ظلما من مال مقتوله ولا من ديته إن لم يأت بشبهة تسقط عنه القصاص ، بل ( وإن أتى ) القاتل ( بشبهة ) تسقط عنه القصاص . طفي ولو عفا عنه ، ولو كان القاتل مكرها بشرط كونه بالغا عاقلا ، فإن كان صبيا أو مجنونا فعمده كالخطأ قاله في الذخيرة وشرح التلمسانية للفاسي وهو الظاهر ، خلاف ما حكاه " ج " . عن الأستاذ أبي بكر من أن مذهب مالك أن قاتل العمد بلا شبهة لا يرث من مال ولا دية بالغا أو صبيا أو مجنونا ا هـ ، وهو مشكل ، وإن صدر به وأقره واحترز بقوله عدوانا عن العمد غير العمد ، وإن كقتل الحاكم ولده قصاصا أو أمره أحد بقتل مورثه قصاصا وكقتل الدافع عن نفسه مورثه ، فلو طلب لص رجلا من ورثته فدفعه عن نفسه فهلك أحدهما وورث المطلوب الطالب لا عكسه ، وكقتل المتأول .

فإن اقتتلت طائفتان بتأويل وفي إحداهما قرابة للأخرى فقتل بعضهما فالذي به القضاء توارثهم كتوارث أهل الجمل وصفين ; لأنهم متأولون ، وأشار بقوله وإن أتى بشبهة لقول النوادر إذا قتل الأبوان ابنهما على وجه الشبهة وسقط عنهما القتل فالدية عليهما ولا يرثان منها ولا من المال . ا هـ . وعلل عدم إرث القاتل بمراعاة المصلحة إذ لو ورث لأدى لخراب العالم ، وبأن من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه ، ولا يقال هذا مبني على مذهب الاعتزال أن القاتل قطع أجل المقتول ; لأن المراد في اعتقاد القاتل . ابن حجر أي نظر المظنة الاستعجال باعتبار السبب ، فلا ينافي كونه مات بأجله عند أهل السنة .

البناني ما ذكره عج عليه اقتصر ابن علاق ، وذكر مقابله عن أبي حنيفة لا غير ، ثم قال يرد هنا إشكال وهو أن هذا يتحقق في البالغ دون الصبي ، وفي العاقل دون [ ص: 691 ] المجنون . وأجاب الأستاذ أبو بكر بأنه يجوز في المراهق أن يتصابى وهو بالغ أو يتجان وهو عاقل .

وشبه في عدم الإرث فقال ( ك ) قاتل ( مخطئ ) فلا يرث ( من الدية ) ومفهومه أنه يرث من المال وهو كذلك . ( تنبيه )

في التوضيح المذهب أن قاتل العمد وقاتل الخطأ يرثان الولاء ويورث عنهما لمن يرثهما .

طفي أصله لابن عبد السلام ودرج عليه الحوفي والتلمساني وأقره شراحه ونسب الفاسي مقابله لأصبغ السنوسي في شرح الحوفي قال بعضهم : نقل هذا عن المذهب غير صحيح . أصبغ لا يرث قاتل العمد الولاء . ابن رشد لا خلاف في ذلك لأحد من أصحاب الإمام مالك رضي الله تعالى عنه . العقباني إنكار الخلاف في هذا صعب ، ويلزمه أن من قتل قريبا له حاجبا له عن إرث قريب آخر أن لا يرث القاتل ذلك القريب الآخر ، ومن الحفاظ من نقل في الولاء ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين أن تكون تهمة مثل كون العتيق شيخا وفيها والمقتول صغيرا وبين عكس هذا ا هـ كلام السنوسي .

ومعنى إرث الولاء المختلف فيه أن المقتول إذا كان له مولى أسفل وكان القاتل ممن ينجر إليه ولاء ذلك المولى بواسطة المقتول ، فإن قتله إياه لا يمنعه من انجرار الولاء إليه كما منعه من الميراث ، كذا فسره شراح الحوفي والتلمساني العصنوني ; لأن الولاء كالنسب ، فكما لا يسقط النسب بالقتل عمدا كان أو خطأ فكذا لا يسقط الولاء بهما . ا هـ . وهو معنى قول الفاسي ; لأن الولاء سبب وليس بمال . ا هـ . وليس معناه أن المعتق بالكسر إذا قتل عتيقه عمدا يرثه ، بل حكمه حكم من قتل مورثه عمدا ويدل على هذا تعليلهم بأنه سبب وليس بمال ، وهنا تمحض إرث المال وصرح بهذا عج ، وهو ظاهر البناني وفيه نظر ، فإن ابن رشد قال بعد ما تقدم عنه من نفي الخلاف فيما قاله أصبغ ما نصه عندي فيه نظر ; لأنه إنما يصح على قياس القول بأن الولاء يورث عن المعتق كما يورث [ ص: 692 ] عنه ماله فيكون أحق بميراث مواليه إذا ماتوا من ورث عنه ماله على ما قضى به ابن الزبير في ذكوان مولى عائشة ; لأنه جعله لطلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم من أجل أن أباه عبد الله ورث عائشة دون القاسم ; لأن أباه عبد الرحمن كان أخا عائشة لأبيها وأمها ، وكان محمد والد القاسم أخاها لأبيها دون أمها ، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس ما عليه الجمهور أن أحق الناس بميراث مولاه أقرب الناس للمقتول يوم مات المولى .

ابن عرفة قلت ولأجل أن هذه الرواية خارجة عن المذهب تواطأ الشيوخ على أن قاتل العمد يرث الولاء ، وقرروه كأنه المذهب ولم يلتفتوا إلى هذه الرواية منهم . ابن رشد في الأجوبة والمقدمات وابن العربي في القانون والمسالك والمتيطي والجزيري وابن فتوح وابن عبد الغفور ومن الفرضيين ابن ثابت وابن خروف والحوفي وغيرهم ، ونسبة الوهم إلى هؤلاء كلهم وهم نقله البستاني ، وتقدم عن ابن القاسم أن الراجع الإرث به لا نفسه ; لأنه لا ينتقل عمن ثبت له كالنسب وصوبه ابن يونس .




الخدمات العلمية