الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي رجل معقد ويحرض إخواننا علينا ويرفض تزويجنا، فكيف نتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة أعيش في أسرة كبيرة، وأنا البنت الكبرى بالعائلة، مشكلتي في الحياة مع أبي فهو رجل معقد جداً يرفض الخروج إلى الرحلات الترفيهية وإذا وافق كان بشروط مكان بعيد عن الناس، وأبي رجل بخيل والأمر ليس بالبخل فقط فهو دائم الشكوى للناس من البنات والشباب من جهة وأقاربنا من جهة أخرى بأننا عاقين وفاسدين، والمشكلة الناس الذي يشكوا لهم هم ليسوا وصلوا للجامعة ودائماً في مراكز الشرطة، في حين نحن تعلمنا ونحن الفاسدين في نظر أبي، مع العلم بأني أنا وأختي تخرجنا من الجامعة والآن موظفات واثنين من إخواني كذلك والباقين في الجامعة يدرسون.

والمشكلة العظمى أبي زرع في نفوس إخواني الشر فدائماً يقول لأحد منكم يذهب بأمك وأخواتك إلى السوق والله لفعلت، وإخواني إذا كانوا راضين لا يردون على أبي لكن وإذا أحد غضب يقول اذهبوا لأبي وذهبوا معه، والمشكلة في أبي دائم التجسس علينا وينافق بين البنات والشباب، وأحياناً يكذب على لساننا وإلى درجة يتهدد ويتوعد بنا، تعبت من حياتي جربت ما يمكن بكافة الطرق دون فائدة، الذي زاد حياتي مرارة هو أنه يقف في طريق زواجي أنا وأختي، تقدم الكثير لكن لا يخبرني بأحد، فقط يشاورني برجال كبار في السن أو متزوجين وليس صالحين فرفضتهم، وقد تقدم الكثير دون أن ندري والمشكلة يركض لأخواني أن يزوجهم ويقول لا تخبروا أخواتكم، والمشكلة العظمى بأن أبي يتصل على إخوانه (أعمامي) ويشاورهم في مستقبلي وفي كل أحد يتقدم لخطبتي، في حين أعمامي لا يرجعون له وزوجوا أولادهم دون علمه.

أريد حلاً خاصة بأنه لا يوجد أحد سواء من أعمامي وخوالي يمكن يعتمد عليه خاصة أنهم معقدين وصراحة فاسدين ولا يوجد أي صلة بهم منذ أكثر من عشر سنوات، وبعضهم شاهدته مرة في حياتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ع.س حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يسترك بستره الذي لا ينكشف في الدنيا ولا في الآخرة، وأن يمنّ عليك بزوج صالح طيب ومبارك عاجلاً غير آجل. كما نسأله تبارك وتعالى أن يُصلح ما بينكم وبين والدكم، وأن يصلحه لكم، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن الله تبارك وتعالى ما خلق داءً إلا خلق له دواء، وأنه ما من مشكلة إلا وخلق الله لها حلاًّ، ولكن هناك من المشكلات ما يجعل الحل في غاية الصعوبة، بل قد يصل أحيانًا إلى درجة الاستحالة، خاصة إذا كانت في الوالدين، فأبٌ كهذا الوالد – الذي ورد في رسالتك – ماذا ستفعلين معه؟ هل من الممكن أن نستبدل هذا الأب بأبٍ آخر؟ هل من الممكن أن نعامله بقسوة وعنف وغلظة؟ هل من الممكن أن نرفع أصواتنا عليه؟ أمور كلها يقينًا مرفوضة لديك، لأنك رُبيتِ وتعرفين معنى التربية ومعنى بر الوالدين وخطورة عقوق الوالدين، ومثلك – وأنا على يقين – أنك لن تُقبلي على شيء من ذلك كله.

ولذلك حقيقة ليس أمامنا إلا الصبر الجميل، محاولة المقاومة، إذا كانت هناك بعض الأمور التي من الممكن أن تتكلمي فيها فمن حقك أن تكلمي، كونه مثلاً يرد الخطاب دون الرجوع إليك فمن حقك أن تتكلمي معه في ذلك، ولا مانع أن ترفعي صوتك بالإنكار لهذه التصرفات لأنها تتعارض مع الشرع، واطلبي منه إذا جاء أحد ليخطبك أن يعرض الأمر على إخوانك أو أن يتكلم معك في خصوصه وألا يرد أحد جاءك.

ليس أمامنا حقيقة إلا هذا، لأن مثلك لا أعتقد أنها على استعداد أن تذهب إلى المحاكم الشرعية لتطلب إسقاط ولاية أبيها عنها، فهذا أمر كما تعلمين في المسلمين – خاصة العرب - ليس بالأمر الهين والسهل، بل إن البنت تفضل أن تعيش بغير زواج عمرها كله على أن توقف والدها أمام أي جهة من الجهات الرسمية سواء كانت جهة الشرطة أو القضاء.

ولذلك حقيقة أقول: ليس أمامنا إلا الصبر الجميل، وهو حقيقة ليس سلاحًا سلبيًا، وإنما هو سلاح إيجابي، ثم الدعاء والإلحاح على الله تعالى أن الله تبارك وتعالى يغير هذا الواقع ويشرح صدر والدك لقبول من يتقدم إليك بشرط أن يكون مناسبًا وعلى خلق ودين.

عليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يغير الله هذا الواقع، وأن يصرف الله عن والدك هذه التصرفات الصعبة المحزنة المؤلمة المخجلة، التي جعلتكم في نظر أقاربكم أشخاصًا فاسدين، لا تعرفون البر والإحسان، رغم أنكم جميعًا من الناجحين علميًا وعمليًا بفضل الله ورحمته، إلا أن تشويش صورة والدكم لكم أمام أقاربكم مما لا شك فيه تُلقي بظلالها حتى على كيفية التعامل معكم.

فأنا أنصح بالصبر الجميل، وإذا كان هناك شيء وصل إليكم بخصوص هذا الأمر فلا مانع أن تجلسي مع الوالد وأن تتكلمي معه أول بأول، ثم لا مانع أن تتكلمي معه في قضية الزواج، وأن تبيني له أنك أصبحت في سن حرجة، وأنه سوف يتحمل وزرك يوم القيامة، وأنه لا يجوز له شرعًا أبدًا أن يرد الزوج الكفء الذي يأتيك، لأن الله تبارك وتعالى قد أمرنا بذلك، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فالملك جل جلاله يقول: {ولعبدٌ مؤمن خير من مُشركٍ ولو أعجبكم} وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ينصح بالدين والخلق، فينبغي إذا تقدم رجل يحمل تلك الصفات أن يقبله فورًا وألا يتردد في ذلك أبدًا.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الإنكار الموافق للشرع، وأن يوفقك للحوار مع والدك، وأن تفتحي معه قنوات حوار كبيرة وعميقة وموسعة حتى توصلي إليه الحق الذي ينبغي أن يكون، كما نسأله تبارك وتعالى أن يمنّ عليك بزوج صالح عاجلاً غير آجل، إنه جواد كريم. هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً