الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني العشوائية والتردد في حياتي، كيف أتغلب على كل ذلك؟

السؤال

السلام عليكم

جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه للأمة وللشباب خاصة.

لدي سؤال يتعلق بشخصيتي أشعر في كثير من الأحيان أني بحاجة إلى أن أكتسب صفة الحسم التي لا تظهر لدي كثيراً.

عمري حوالي 21 عاماً وإلى الآن أتردد في الكثير من الأمور في اتخاذ قرارات فيها حتى ولو كانت جميع القرارات متساوية.

أحياناً أقود السيارة فأمر بتقاطع طريقين كلاهما يوصل إلى منزلي، ولا فرق تقريباً بينهما، فأتردد قليلاً،
بل وأحياناً يجاملني أحد بكلمة ما مثلاً فأرد عليه، لكن قبل أن أرد عليه تخطر في بالي طريقتين للرد أو أكثر، فأحتار أي الطريقتين أختار، فألفظ أحياناً نصف الكلمة من الخيار الأول والنصف الثاني من الخيار الثاني! نعم لهذه الدرجة.

كنت أعاني من الوسواس في الصلاة والذكر والطهارة من قبل، لكني -والحمد لله- تخلصت منه بشكل كبير جداً، وأظن أن ما بقي منه لدي لا يحتاج إلا إلى التعود.

أرجو أن تفيدوني فيما يمكنني فعله لأكتسب صفة الحسم في اتخاذ قراراتي.

أيضاً لدي سؤال عن تنظيم الأفعال التي أقوم بها، كيف السبيل إلى تنظيم ما أقوم به في شتى مناحي حياتي؟ معظم ما أفعله في حياتي يفتقر إلى التنظيم حتى طريقة لبسي، وأظن أن ذلك يتعلق بأمور أخرى لدي هي:

التردد في اتخاذ القرارات في معظم الأمور حتى الصغير منها، أيضاً والخوف من إضاعة الوقت في أمور مع أن الوقت يضيع للأسف في أمور أخرى.

الوسواس الذي كان لدي من قبل لكني تغلبت على معظمه -والحمد لله-.

هذه العشوائية في حياتي تظهر في أماكن أغراضي (التي تضيع مني كثيراً) ولبسي وكتابتي (خطي سيء) وفي كلامي (ترتيب الأفكار عند الحديث عنها)، مع أني أحياناً أبهر نفسي بعكس ذلك! فأحياناً يكون لبسي أنيقاً وكلامي وأفكاري مصفوفةً وغير ذلك.

أرجو أن تفيدوني في الوصول إلى أعمال مرتبة ومنظمـة وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن رسالتك أعجبتني جدًّا؛ لأنها واضحة، ذكرت أنك كنت تعاني من الوسواس القهري مسبقًا، وقد تخلصت منه -بفضل الله تعالى-، والآن ما تعاني منه من تردد، وعدم الحسم في اتخاذ القرارات وما تصفه بالعشوائية في حياتك، وافتقاد التنظيم، هذا نتاج طبيعي أو ردة فعل لما تتسم به شخصيتك من طابع وسواسي، خاصيتك أصلاً تحمل الطابع الوسواسي، والطابع الوسواسي دائمًا يُحث الإنسان على الانضباط، يجعله يتردد، يقلل من قيمة نفسه بل يعنفها، وهذا هو الذي تعيشيه الآن، وأنا أقول لك أنت أفضل مما تتصور.

وبالنسبة لإدارة الوقت: نعم أتفق معك أنها ضرورة جدًّا، وهي مفتاح أساسي للنجاح وللإنجاز، من أفضل الطرق التي يستطيع الإنسان أن ينظم بها وقته هو أن يجعل الصلوات الخمس ركائز، ومن ثم ينطلق، ويضع خارطة ذهنية (ماذا أفعل قبل الصلاة؟ وماذا أفعل بعد الصلاة) لأن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا، فهي ضابطة جدًّا.

قد تستغرب -أيها الابن الكريم- من هذا المنهج الذي أذكره لك، لكنه منهج علمي وصحيح، وبكل أسف الكثير من الناس لا يلتفت إليه، فاجعل الصلوات ركيزة لك لتنظيم الأنشطة اليومية، هذا أولاً.

ثانيًا: ما هو محتوى هذه الأنشطة؟ الأنشطة يجب أن تحتوي على أشياء كثيرة، أولاً لابد أن تأخذ قسطًا كافيًا من الراحة، لا بد أن ترفه عن نفسك.

قد تستغرب أيضًا لماذا أبدأ بالراحة والترفيه عن النفس؟ لأن الكثير من الناس يعتقد أن العمل أو الدراسة لفترة عشرين ساعة في اليوم هو الأفضل، وهذا ليس صحيحًا.

إذن خصص وقتا للراحة، ووقتا للترفيه عن النفس بما هو متاح ومباح، ووقتا للاطلاع الأكاديمي، ووقتا لتطوير المهارات الوظيفية، ووقتا للتواصل الاجتماعي، ووقتا لممارسة الرياضة، هذه هي الأسس الرئيسية جدًّا لكيفية إدارة الوقت بصورة صحيحة، وإدارة الوقت سوف تنهي تمامًا السبهللة والعشوائية في السلوك.

وأود أن أنبهك لشيء مهم، وهو أنك ذكرت تحس أنك غير أنيقً في لبسك وكلامك وأفكارك غير منتظمة، هذا شعور وسواسي أدى إلى ما نسميه بعدم تقدير الذات بصورة صحيحة أو تحقير الذات، لا، أنت أفضل مما تتصور، انظر إلى ما هو إيجابي في حياتك، والسمات الطيبة الجميلة التي تتمتع بها، أنت لديك طاقات نفسية وجسدية عظيمة لابد أن تستثمرها وتستفيد منها.

وأنصحك أيضًا أن تتخذ الاستخارة طريقًا ومفتاحًا لاتخاذ القرارات، الاستخارة بكل بساطة هي أن تسأل الذي بيده الخير أن يختار لك، وأن ييسر لك ما تريد أن تقوم به ما دام لك فيه خيري الدنيا والآخرة، فإذن هذا هو المنهج الذي يجب أن تتبعه.

نصيحة أخرى: يجب أن تكون لك صداقات ونماذج طيبة من الرفقة، من الشباب الصالح الطيب الفعال التواق للنجاح، المُحب لدينه ولوطنه، البار بوالديه، هؤلاء إن جعلتهم رفقة لك أؤكد لك أن حياتك سوف تتغير تمامًا، لأن الإنسان يتطبع من خلاّنه.

نقطة أخيرة: أعتقد أنك في حاجة لعلاج دوائي بسيط جدًّا، والعلاج الدوائي الهدف منه هو أن يطرد عنك التفكير الوسواسي والنمط الوسواسي في السلوك، هذا التردد، ضعف تقدير الذات، هذا كله تفكير وسواسي.

الدواء الجيد والممتاز في حالتك يعرف علميًا باسم (فلوكستين) وله مسميات تجارية كثيرة أشهرها (بروزاك) وربما يوجد في سوريا تحت مسميات تجارية أخرى، لأنني أعرف أن هذا الدواء ينتج أيضًا محليًا في سوريا، فيمكنك الحصول على هذا المنتج المحلي حيث ستكون تكلفته أقل، تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم لمدة أربعة أشهر، يفضل تناوله بعد الأكل، يمكن تناوله صباحًا أو مساءً، بعد انقضاء أربعة أشهر تناوله بجرعة كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.

هذا من الأدوية الفاعلة، من الأدوية الممتازة، والتي أسأل الله تعالى أن يفيدك بها وأن ينفعك بها، وأنا على ثقة تامة أنك - بإذن الله تعالى- سوف تكون على ما يرام. أرجو أن تتبع ما ذكرته لك من إرشاد، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وغفر الله لنا ولك في هذه الأيام الطيبة، ونشكرك على ثقتك في إسلام ويب، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً