الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التمسك بالنقاب يتضاعف ثوابه أمام هذه المحن

السؤال

أنا فتاة تونسية، ارتديت النقاب منذ قرابة شهر بفضل الله. وكما تعلمون شيخنا، فإن النقاب ممنوع منعا باتا في تونس. ارتديته في البداية من وراء أهلي، ثم حين أخبرتهم لاقيت رفضا شديدا. والداي خافا علي وعلى بقية الأهل من الاعتقال والبهدلة في مراكز الشرطة. لكني تمسكت بالنقاب وأقنعتهم بأني سأبقى في البيت ولن أغادره حتى لا أعرض العائلة لأي مشاكل، وفي نفس الوقت سأحاول كسب رضاهم بمواصلة الدراسة (والداي يعملان في مجال التعليم وهما متمسكان جدا بالتعليم، ويريدانني أن أحصل على الشهادة الجامعية). حين أخبرتهم بأني سأدرس في البيت ثم أذهب لإجراء الامتحانات بإذن الله، تحسن الوضع وتقبلا أمر نقابي نوعا ما.اشتريت الكتب وأحضرت لي أخوات في الله الدروس، لكني أذاكر وأفكر في يوم الامتحان، إن كان في العمر بقية. كيف سأصل إلى الجامعة ؟ رجال الشرطة منتشرون في كل مكان، ولا يمكن التعرف عليهم واجتنابهم لأنهم لا يرتدون الزي الرسمي. وقد يكون الرجل واقفا ينتظر الحافلة مثلا، ثم يتبين أنه شرطي، فيأخذني إلى مركز الشرطة. ولو فرضنا أني وصلت بتيسير من الله إلى الجامعة، فكيف سأدخل؟؟ هم أصلا يرفضون دخول الطالبات بحجاب يغطي الرأس فكيف بغطاء الوجه؟لا أدري يا شيخ، كيف يمكنني الوفاء بوعدي وإجراء الامتحانات. أرجو توجيه النصيحة والإرشاد، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليس من شك في أن ما ذكرته من منع النقاب ... ومن انتشار رجال الشرطة في كل مكان ... ومن وجوب كشف المرأة رأسها في الجامعة ... ومن حرص أبويك على تحصيلك للشهادة الجامعية، وغير ذلك مما بينته وفصلته ....، نقول: إن هذا - بحق- يعتبر فتنة في الدين. والحجاب فريضة شرعية شرعها الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا أدلة فرضيته في الفتوى رقم: 18119. والفتوى رقم: 29714. وهو عفة وطهارة، وبه يتحقق للمجتمع كثير من المصالح الدنيوية فضلا عن الأخروية. فمن ذلك صيانة المجتمع عن الجريمة، وتحقيق الاستقرار فيه، وهذا مقصد أساسي للقائمين على الدول، فلماذا تحارَب وسيلته، ويحرض المجتمع على ما يتحقق به عكس هذا المقصد فيحصل بذلك خسران الدنيا والآخرة؟

أيتها الأخت الكريمة، إن ما ذكرته من حال يجعل أجرك في التمسك بالنقاب يتضاعف أمام هذه المحن، فلا تضيعي هذه الفرصة، واعلمي أن طاعة الوالدين إنما تجب في المعروف، وأما إذا كانا يريدان من ابنتهما الوقوع في معصية الله فإن طاعتهما في ذلك لا تجوز، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما في الحديث الشريف. فاصمدي وتجنبي المشاركة في الامتحان إذا كان يشترط لها كشف الرأس، وردي على أبويك ردا جميلا، كأن تتمارضي إذا وجدت في ذلك ملجأ، وكأن تتعللي بأنك لم تراجعي جيدا، ولن تعدمي حجة تتخلصين بها من هذه الفتنة، والله تعالى معك، وقد قال جل من قائل: إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ.{ النحل:128}. وإذا كان يمكن أن يسمح لك بالحجاب ونزع النقاب عند الدخول للامتحانات فلا بأس بخلع النقاب حينئذ تقاديا للمفاسد التي قد تترتب على ارتدائه في ذلك الوقت، ونزولا عند رغبة الوالدين ووفاء بما وعدتهما به، ومراعاة لمن يقول بعدم وجوب تغطية الوجه واليدين أمام الأجانب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني