الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل في قوله تعالى: فكفارته إطعام عشرة مساكين...

السؤال

شيخي الفاضل، السؤال يتعلق بالتطبيق العملي لإطعام المساكين في كفارة نقض العهد مع الله عز وجلّ، فالصورة التطبيقية غير واضحة عندي، حيث إن الإطعام يجب أن يكون لعشرة مساكين من أوسط ما أطعم أهلي، عملا بقوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم، واحفظوا أيمانكم. (المائدة: 89). ما المقصود بقوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم. وهل يمكن حصر الإطعام بالرز فقط فأقوم بتوزيع الرز على عشرة مساكين. وأما بخصوص وزن الكيس ففيه التباس فقد ورد في الفتوى رقم 151301 بأن المد الشرعي يختلف وزنا من طعام إلى آخر فهو من الرز سبعمائة وخمسون جراما، أو ما يملأ إناء يمتلئ بهذا القدر من الرز إن كان من طعام غير الرز، أما الفتوى رقم: 98092 فقد جاء فيها: (... والإطعام، نصف صاع من الطعام لكل مسكين، وقدره كيلو ونصف تقريباً، ... ) فما هو الوزن المعتبر لكيس الرز؟ وأخيرا فهل كيس الرز من وزن الكيلو غرام أو 750 غرام يمكن اعتباره كافيا لتحقيق شرط أن يكون الإطعام للغداء والعشاء ( ......ويجزئ عن ذلك إطعام كل مسكين وجبة غداء وعشاء ولا يجزئ غداء فقط أو عشاء فقط. ففي المدونة للإمام مالك بن أنس قال: وسألنا مالكا عن الكفارة أغداء وعشاء أم غداء بلا عشاء وعشاء بلا غداء ؟ قال: بل غداء وعشاء. انتهى.). ومن المعلوم أن المساكين قد يكونون عائلات. فهل إذا تم توزيع كيس الرز على رب الأسرة بصفته مسكينا من العشرة مساكين، ونحن نعلم أنه سيقوم بإطعام أسرته منه فهل هذا يجزئ؟
وأخيرا إذا علمنا أن أسرة تتكون من عدة أفراد فهل يجوز توزيع الطعام عليها وفق العدد، أم يجب ان يكونوا من أسر مختلفة؟ وهل أعمار أفراد الأسرة أو المساكين يؤخذ بالاعتبار؟ وبارك الله فيكم

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

فأما قوله تعالى: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ (المائدة:89). فقد بينه أهل التفسير.

قال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير: المراد بالوسط هنا المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير وليس المراد به الأعلى كما في غير هذا الموضع. أي أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام أهليكم منه، ولا يجب عليكم أن تطعموهم من أعلاه، ولا يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه. انتهى.

ولا شك في أن الأرز من أوسط ما يطعمه الناس، فلا حرج في الاقتصار عليه في الإطعام، وإن كان معه إدام فحسن، وأما مقدار الإطعام فمختلف فيه بين العلماء، فمنهم من يرى أن مدا من الطعام يكفي كقول الشافعية والمالكية، ومنهم من يرى أن المجزئ مد من بر أي قمح ونصف صاع من غيره وهو قول الحنابلة، ومنهم من يرى أن المجزئ نصف صاع من بر وصاع من غيره وهو قول الحنفية، ونحن حيث أطلقنا إجزاء المد فبناء على ما هو مرجح عندنا، وحيث أطلقنا نصف صاع فعلى سبيل الاحتياط.

وكفارة اليمين تعتبر بالكيل لا بالوزن، ومن المعلوم أن الكيل قد يتفق مع اختلاف الأوزان ولذلك قلنا إن المد يعتبر بالكيفية المذكورة كما ذكرته في سؤالك، وراجع الفتوى رقم: 11715 . ثم اعلم أن إطعام المسكين غداء وعشاء إنما يشترط حيث لم يملك القدر المجزئ في الكفارة، وأما إذا ملكناه ما يجزئ فيها وهو القدر المذكور فهذا يجزئ بلا شك، وللعلماء خلاف في الإباحة هل تجزئ في الكفارة أو لا بد من التمليك، والراجح إن شاء الله أن التمليك ليس شرطا وإنما الواجب الإطعام فكيف أتى به أجزأ. ثم الأحوط أن يغديه ويعشيه كما ذهب إلى ذلك أكثر المجوزين، ولو غداه أو عشاه كان ذلك مجزئا عند بعض العلماء، وذكره في فتح القدير عن الحسن.

قال الشيخ ابن عثيمين: والإطعام له كيفيتان: الأولى: أن يصنع طعاماً يكفي عشرة مساكين ـ غداء أو عشاءً ـ ثم يدعوهم؛ وذلك لأن الله ـ تعالى ـ أطلق فقال: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}. فإذا صنع طعاماً وتغدّوا، أو تعشوا فقد أطعمهم. الثانية: التقدير، وقد قدَّرناه بنحو كيلو من الأرز لكل واحد، فيكون عشرة كيلوات للجميع، ويحسن في هذه الحال أن يجعل معه ما يؤدِّمه من لحم أو نحوه، ليتم الإطعام؛ لأن الله تعالى يقول: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}. انتهى.

وإذا علمت ما مر فلو دفعت القدر المجزئ لرب أسرة مكونة من عشرة أفراد مثلا أجزأك ذلك، وإن كانت الأسرة أقل فادفع لربها القدر المجزئ عن عدد تلك الأسرة حتى تستوفي العشرة، ولا فرق بين أن يكون أفراد الأسرة صغارا أو كبارا ما داموا يأكلون الطعام. وأما من لا يأكل الطعام فالراجح أنه لا يجزئ الدفع إليه.

قال ابن قدامة في المغني في شروط من تدفع إليه الكفارة: الرابع : أن يكونوا قد أكلوا الطعام، فإن كان طفلا لم يطعم لم يجز الدفع إليه في ظاهر كلام الخرقي، وقول القاضي وهو ظاهر قول مالك، فإنه قال: يجوز الدفع إلى الفطيم وهو إحدى الروايتين عن أحمد، والرواية الثانية : يجوز دفعها إلى الصغير الذي لم يطعم ويقبض للصغير وليه وهو الذي ذكره أبو الخطاب في المذهب، وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي. قال أبو الخطاب: وهو قول أكثر الفقهاء لأنه حر مسلم محتاج فأشبه الكبير، ولأن أكله للكفارة ليس بشرط وهذا يصرف الكفارة إلى ما يحتاج إليه مما تتم به كفايته فأشبه الكبير، ولنا قوله تعالى : { إطعام عشرة مساكين }. وهذا يقتضي أكلهم له فإذا لم تعتبر حقيقة أكله اعتبر إمكانه ومظنته ولا تتحقق مظنته فيمن لا يأكل، ولأنه لو كان المقصود دفع حاجته لجاز دفع القيمة ولم يتعين الإطعام وهذا يقيد ما ذكروه. انتهى.

ولعل ما ذكرناه يكون قد أزال عنك ما عرض لك من إشكال بإذن الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني