الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تزوجت قبل انتهاء عدتها من زواج سابق عرفي

السؤال

أنا شاب تزوجت من فتاة عرفيا بمعنى أنه زواج بدون إشهار، ثم غصبت الفتاة على الزواج من غيري ولم تقدر على الرفض، ثم بعد ذلك لم تقدر على أن تستمر في الزواج، فطلقت وهي الآن حامل لا تعرف ممن؟ والآن أريد أن أتزوجها شرعيا، ولكن عندما تزوجتها طلقتها أمام شهود وهي لا تعرف، فماذا أفعل؟ وكيف أتصرف؟ وما حكم الزواج الآن منها؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمسألتك هذه شائكة جدا وتعتريها احتمالات كثيرة، وقد يعسر عليك فهم بعض ما سنذكره لك، فينبغي لك أن ترفع الأمر إلى المحكمة الشرعية أو مشافهة أهل العلم بها، حتى ينظروا في القضية من جميع جوانبها، لأنها من القضايا الشائكة، ويترتب عليها إثبات نسب، كما يجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى وتستغفره مما فعلت.
وفي جواب ما ظهر لنا من السؤال نقول:

إن كنت تعني بقولك: زواج عرفي ـ أنه وقع بلا إشهار وبدون ولي ولا شهود، فهذا ليس زواجا شرعيا بل هو باطل بالاتفاق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا تزوجها بلا ولي ولا شهود وكتما النكاح فهذا نكاح باطل باتفاق. اهـ.

وكذا لو كان المقصود أنك تزوجتها بلا ولي ولكن مع وجود الشهود فإنه نكاح فاسد في قول جمهور أهل العلم قال الشيخ الفوزان ـ حفظه الله تعالى: ومن تزوجت بطريقة غير شرعية، كأن تتزوج المرأة من غير ولي فنكاحها فاسد، ويجب التفريق بينهما فوراً، والأبناء ينسبون إلى من تزوجها إن كانوا يظنون أن ما فعلوه جائزاً فإن كانوا يعلمون بطلان نكاحهم فلا ينسب الأبناء إلا إلى أمهم. اهـ.

وأما زواجها بالثاني ولمن يكون الحمل: فلم تذكر لنا هل أقدمت على فعلتك من الزواج بها وأنت تعتقد أنه زواج شرعي صحيح أم لا؟ وهل وطئها الشخص الآخر بعد انتهاء عدتها منك؟ أم وطئها الآخر قبل انقضاء عدتها؟ فإن كنت قد أقدمت على الزواج معتقدا صحته فلا يخلو الحال من أمرين:
أولهما: أن يكون الآخر دخل بها بعد انتهاء عدتها منك فالحمل حينئذ للثاني إن تزوجها زواجا شرعيا أو اعتقد شرعيته ولو كان في حقيقته ليس زواجا شرعيا. وأما إن كان يعلم حرمة هذا النكاح فإن الولد لا يلحق به ويلحق بأمه، لأنه ولد زنا.
ثانيهما: أن يكون الثاني قد دخل بها قبل انقضاء عدتها منك ـ وهذا هو الذي يظهر من السؤال ـ وفي هذه الحال يعتبر عقد الثاني عقدا فاسدا، لأنه لا يجوز نكاح المرأة المعتدة ولو كانت عدتها من نكاح فاسد، ويترتب عليه وجوب التفريق بينها وبين من تزوجها في عدتها، ويجب عليه أن يدفع لها المهر ما دام قد دخل بها، ويجب عليها أن تعتد لوطئه بعد أن تعتد لفراقك أنت. جاء في الموسوعة الفقهية: يحرم على المسلم أن يتزوّج من تعلّق حق غيره بها بزواج أو عدّةٍ من طلاقٍ أو وفاةٍ, أو دخولٍ في زواجٍ فاسدٍ, أو دخولٍ بشبهة, لقوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ـ والحكمة في هذا منع الإنسان من الاعتداء على غيره بالتّزوج من زوجته أو معتدّته, وحفظ الأنساب من الاختلاط والضّياع وقد ألحق الفقهاء بعدّة الطّلاق عدّة الدخول في زواجٍ فاسدٍ, وعدّة الدخول بشبهة, لأنّ النّسل من كلٍّ منهما ثابت النّسب, ويترتّب على نكاح المعتدّة من الغير آثار منها:
أ ـ التّفريق بينهما.
17ـ نكاح معتدّة الغير يعتبر من الأنكحة الفاسدة المتّفق على فسادها ويجب التّفريق بينهما, وهذا باتّفاق.
ب ـ وجوب المهر والعدّة، إلخ . اهـ مختصرا.

وأما الحمل: فينظر فيه فإن وضعته قبل مضي ستة أشهر من مفارقتك لها فالحمل ينسب لك ـ إن اعتقدت صحة ذلك النكاح حين الإقدام عليه ـ قال ابن عثيمين في الشرح الممتع فيمن تزوجت في عدتها: فلو أنها بعد أن تزوجت الزوج الثاني وجامعها أتت بولد لدون ستة أشهر، وعاش الولد فيكون للأول يقيناً، لأنه لا يمكن أن يعيش لأقل من ستة أشهر، وعلى هذا فيكون للأول يقيناً. اهـ.
وإن أتت به بعد ستة أشهر من مفارقتك لها وقبل أربعة سنين فإنه يرجع في تحديد نسب الطفل إلى القافة بعد مولده ليحددوا هل هو لك أم للثاني، والقافة هم الذين يعرفون شبه الولد بالوالد، قال ابن قدامة في المغني:
وإن كان لأكثر من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني ولأقل من أربع سنين من طلاق الأول ولم يعلم انقضاء العدة عرض على القافة وألحق بمن ألحقته به منهما، فإن ألحقته بالأول انتفى عن الزوج بغير لعان، وإن ألحقته بالزوج انتفى عن الأول ولحق بالزوج، وهل له نفيه باللعان؟ على روايتين. اهـ.

ويجوز الاعتماد على البصمة الوراثية: DNA ـ في تحديد نسب الطفل هل هو لك أم للثاني، لأن هذا نسب لم يثبت شرعا لأحدكما. جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة:
يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:
1ـ حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
اهـ.

وفي خصوص ما إذا كان يصح لك أن تتزوج منها الآن، فإذا كانت مطلقة من زواجها الأخير ـ كما ذكرت ـ وكنت تعني الزواج منها بعد انقضاء عدتها فإنه لا حرج في ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني