الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تنزيه الله سبحانه وتعالى عن أن يتخذ صاحبة أو ولدًا أو أخًا أو أختًا أو قريبًا

السؤال

هل الأدلة النقلية من الكتاب والسنة الصحيحة تدل على أن الله لم يتخذ ولا يتخذ ولن يتخذ صاحبة لا من البشر ولا من الجن، وأنه لم يتخذ ولا يتخذ ولن يتخذ أخًا، أو أختًا، أو قريبًا من مخلوقاته؟ وهل هذه من صفات النقص التي تنزه عنها الذات الإلهية؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمحال على الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يتخذ صاحبة أو ولدًا، وأبعد من ذلك أن يكون له والد؛ لأن ذلك معناه أنه كان بعد أن لم يكن، أو أنه كان قبله شيء، وإذا انتفى الوالد، فلا مجال للحديث عن الأخ والأخت والقريب, وقد روى الترمذي عن أبي بن كعب: أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأنزل الله: قل هو الله أحد الله الصمد ـ والصمد: الذي لم يلد ولم يولد؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، ولا شيء يموت إلا سيورث، وإن الله عز وجل لا يموت ولا يورث: ولم يكن له كفوًا أحد ـ قال: لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء.

ولا ريب في أن ذلك كله نقص يتنزه عنه مقام الألوهية والربوبية، ولا يمكن لمن وقف على باب هذا الرحاب أن يعتقد شيئًا من ذلك، فإن معرفة هذا المقام تحول بين العبد وبين هذا الشطط في الفكر والاعتقاد؛ ولذلك قال مؤمنو الجن: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا {الجن: 3ـ4}.

قال السعدي في تفسيره: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ـ أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه: مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا ـ فعلموا من جد الله وعظمته ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة، أو ولدًا؛ لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك؛ لأنه يضاد كمال الغنى: وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ـ أي: قولاً جائرًا عن الصواب، متعديًا للحد، وما حمله على ذلك إلا سفهه وضعف عقله. اهـ.
والشَّطَطُ هو: الإفراط في البعد ـ كما قال الراغب في المفردات.

وقال ابن كثير في تفسيره: بيَّن تعالى أنه لا ولد له، كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة، والمعاندون من اليهود والنصارى في العزير وعيسى، فقال: لو أراد الله أن يتخذ ولدًا لاصطفى مما يخلق ما يشاء ـ أي: لكان الأمر على خلاف ما يزعمون، وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه، بل هو محال، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه، كما قال: لو أردنا أن نتخذ لهوًا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين {الأنبياء:17} قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين {الزخرف:81} كل هذا من باب الشرط، ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لقصد المتكلم، وقوله: سبحانه هو الله الواحد القهار ـ أي: تعالى وتنزه وتقدس عن أن يكون له ولد، فإنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي كل شيء عبد لديه، فقير إليه وهو الغني عما سواه، الذي قد قهر الأشياء فدانت له وذلت وخضعت. اهـ.

وقد حمد الله تعالى نفسه وأثنى عليها ومجَّدها بانتفاء مثل هذه النقائص عنه، فقال عز من قائل: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا {الإسراء: 111}.

وقال سبحانه: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا {الفرقان:1ـ2}.

وقد تناول القرآن هذه القضية بالحسم والبيان في مواضع كثر، فمن ذلك قوله تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {البقرة:116ـ 117}.
وقوله: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ {الأنعام:100ـ 102}.
وقوله: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ {يونس:68ـ70}.
وقوله: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا {الكهف:4ـ5}.
وقوله: مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {مريم:35}.
وقوله: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا {مريم:88ـ 92}.

وقوله: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ {الصافات: 149ـ 159}.
وختام ذلك سورة كاملة وهي سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام مفيد وجامع في تفسير هذه السورة المباركة عن هذه القضية، فراجعه في مجموع الفتاوى:17ـ 268: 295.
ومما جاء في السنة عن ذلك، قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل، إنه يشرك به ويجعل له الولد، ثم هو يعافيهم ويرزقهم. متفق عليه.

وقوله صلى الله عليه وسلم في ما يرويه عن ربه، قال: يشتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني، وما ينبغي له، أما شتمه فقوله: إن لي ولدًا، وأما تكذيبه فقوله: ليس يعيدني كما بدأني. رواه البخاري.

ومدارسة هذه الآيات القرآنية والنصوص النبوية كفيل بتقرير الحق في هذه القضية، ونحن نكتفي بكلام الإمام ابن القيم في بدائع الفوائد حيث يقول: رد عليهم سبحانه دعواهم له اتخاذ الولد, ونزّه نفسه عنه، ثم ذكر أربع حجج على استحالة اتخاذه الولد:

ــ أحدها: كون ما في السموات والأرض ملكًا له، وهذا ينافي أن يكون فيهما ولد له؛ لأن الولد بعض الوالد وشريكه، فلا يكون مخلوقًا له مملوكًا له؛ لأن المخلوق مملوك مربوب عبد من العبيد، والابن نظير الأب، فكيف يكون عبده تعالى ومخلوقه ومملوكه بعضه ونظيره؟! فهذا من أبطل الباطل، وأكد مضمون هذه الحجة بقوله: كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ـ فهذا تقرير لعبوديتهم له, وأنهم مملوكون مربوبون ليس فيهم شريك ولا نظير ولا ولد، فإثبات الولد لله تعالى من أعظم الإشراك به, فإن المشرك به جعل له شريكًا من مخلوقاته مع اعترافه بأنه مملوك, كما كان المشركون يقولون في تلبيتهم: لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ـ فكانوا يجعلون من أشركوا به مملوكًا له عبدًا مخلوقًا، والنصارى جعلوا له شريكًا هو نظير وجزء من أجزائه، كما جعل بعض المشركين الملائكة بناته، فقال تعالى: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ـ فإذا كان له ما في السموات والأرض عبيد قانتون مربوبون مملوكون استحال أن يكون له منهم شريك، وكل من أقر بأن لله تعالى ما في السموات وما في الأرض لزمه أن يقوله بالتوحيد ولا بد؛ ولهذا يحتج سبحانه على المشركين بإقرارهم بذلك كقوله: قُلْ لِمَنِ الأرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ...
- الحجة الثانية: قوله تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ـ هذه من أبلغ الحجج على استحالة نسبة الولد إليه؛ ولهذا قال في سورة الأنعام: بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ـ أي من أين يكون لبديع السموات والأرض ولد، ووجه تقرير هذه الحجة أن من اخترع هذه السموات والأرض مع عظمهما وآياتهما وفطرهما وابتدعهما فهو قادر على اختراع ما هو دونهما، ولا نسبة له إليهما البتة، فكيف يخرجون هذا الشخص بالعين عن قدرته وإبداعه ويجعلونه نظيرًا وشريكًا وجزءًا مع أنه تعالى بديع العالم العلوي والسفلي وفاطره ومخترعه وبارئه، فكيف يعجزه أن يوجد هذا الشخص من غير أب حتى يقولوا: إنه ولده، فإذا كان قد ابتدع العالم علويه وسفليه، فما يعجزه ويمنعه عن إبداع هذا العبد وتكوينه وخلقه بالقدرة التي خلق بها العالم العلوي والسفلي، فمن نسب الولد لله فما عرف الرب تعالى, ولا آمن به ولا عبده، فظهر أن هذه الحجة من أبلغ الحجج على استحالة نسبة الولد إليه، وإن شئت أن تقرر الاستدلال بوجه آخر وهو أن يقال: إذا كانت نسبة السموات والأرض وما فيهما إليه، إنما هي بالاختراع والخلق والإبداع، أنشأ ذلك وأبدعه من العدم إلى الوجود، فكيف يصح نسبة شيء من ذلك إليه بالبنوة؟! وقدرته على اختراع العالم وما فيه لم تزل ولم يحتج فيها إلى معاون ولا صاحب ولا شريك، وإن شئت أن تقررها بوجه آخر فتقول: النسبة إليه بالبنوة تستلزم حاجته وفقره إلى محل الولادة، وذلك ينافي غناه وانفراده بإبداع السموات والأرض، وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى بقوله: وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ـ فكمال قدرته وكمال غناه وكمال ربوبيته يجعل نسبة الولد إليه ونسبته إليه تقدح في كمال ربوبيته وكمال غناه وكمال قدرته، ولذلك كانت نسبة الولد إليه مسبة له تبارك وتعالى، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: شتمني عبدي ابن آدم، وما ينبغي له ذلك، وكذبني ابن آدم، وما ينبغي له ذلك أما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا, وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوًا أحد، وأما تكذيبه إياي: فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته ـ وقال عمر بن خطاب ـ رضي الله عنه ـ في النصارى: أذلوهم ولا تظلموهم فلقد سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشرـ وقال تعالى: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ ـ الآية، وأخبر تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ـ وما ذاك إلا لتضمنه شتم الرب تبارك وتعالى والتنقص به ونسبة ما يمنع كمال ربوبيته وقدرته وغناه إليه.
ــ الحجة الثالثة: قوله تعالى: وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ـ وتقرير هذه الحجة أن من كانت قدرته تعالى كافية في إيجاد ما يريد إيجاده بمجرد أمره وقوله: كن ـ فأي حاجة به إلى ولد، وهو لا يتكثر به من قلة, ولا يتعزر به, ولا يستعين به، ولا يعجز عن خلق ما يريد خلقه، وإنما يحتاج إلى الولد من لا يخلق, ولا إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون, وهذا المخلوق العاجز المحتاج الذي لا يقدر على تكوين ما أراد، وقد ذكر تعالى حججًا أخرى على استحالة نسبة الولد إليه فنذكرها في هذا الموضع.
ــ الحجة الرابعة: كمال علمه وعموم خلقه لكل شيء, واستحالة نسبة الصاحبة إليه، فقال تعالى في سورة الأنعام: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ـ الآية، فأما منافاة عموم خلقه لنسبه الولد إليه فظاهر، فإنه لو كان له ولد لم يكن مخلوقا، بل جزءا وهذا ينافي كونه خالق كل شيء... وأما منافاة عدم المصاحبة للولد فظاهر أيضًا؛ لأن الولد إنما يتولد من أصلين فاعل ومحل قابل يتصلان اتصالًا خاصًا فينفصل من أحدهما جزء في الآخر يكون منه الولد، فمن ليس له صاحبة كيف يكون له ولد، ولذلك لما فهم عوام النصارى أن الابن يستلزم الصاحبة لم يستنكفوا من دعوى كون مريم إلاهة، وأنها والدة الإله عيسى.
ــ الحجة الخامسة: وأما منافاة عموم علمه تعالى للولد فيحتاج إلى فهم خاص، وتقريره أن يقال: لو كان له ولد لعلمه لأنه بكل شيء عليم، وهو تعالى لا يعلم له ولدًا، فيستحيل أن يكون له ولد لا يعلمه، وهذا استدلال بنفي علمه للشيء على نفيه في نفسه؛ إذ لو كان لعلمه، فحيث لم يعلمه فهو غير كائن... اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 69055، 49754، 71526.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني