الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية

أصبحت الترجمة، في الآونة الأخيرة، ضرورة ملحة في ظل الظروف السياسية والهجمة الإعلامية الشرسة على الإسلام والمسلمين؛ حيث تبارت الأقلام الغربية المغرضة في محاربة هذا الدين، ونعته بالإرهاب والوحشية، استناداً إلى بعض الترجمات المبتورة والخائنة لمعاني القرآن الكريم، والتي تبث الأكاذيب والافتراءات، بدءاً بأول ترجمة لاتينية ظهرت إلى حيز الوجود في أوربا الغربية، والتي قام بها بيير الطليطلي (Pierre de Tolède) بتكليف من بطرس الموقر (Venerable Pierre le) راهب دير كلوني (Cluny) في القرن الحادي عشر، وقد قال (بلاشير) عن هذا القس: "وكان طلبه لترجمة القرآن الكريم استمراراً لروح الحروب الصليبية، ومن جهة أخرى لحاجته إلى ما يمحو به أية آثار ما زالت عالقة بذهن المسلمين الإسبان، الذين تم تنصيرهم، ويبدو أن الترجمة التي تمت في مدينة طليطلة لم تكن أمينة بالمرة، وكانت غير كاملة".

ثم جاءت ترجمة أندريه دوريير (André De Ryer) في القرن السابع عشر، كأول ترجمة فرنسية للقرآن الكريم، وعنها تُرجم إلى الإنجليزية وإلى الهولندية. وجاء بعد هذه الترجمة ترجمة سافاري (Savary) الفرنسية التي لاقت رواجاً كبيراً، وقد نشرت هذه الترجمة في عامي (1783م) و(1951م). ثم كانت ترجمة أندريه شواركي (Chouraqui) التي صدرت في عام (1990م) وقد علق الدكتور حسن عزوزي على هذه الترجمة بقوله: "يهودي كان عمدة القدس المحتلة -أعادها الله- ترجم الإنجيل...وقد لقيت ترجمته إعراضاً كبيراً، حتى في أوساط المستشرقين، الذين وصفوها بأنها جاءت بلغة لا تمت إلى الفرنسية بصلة، وإنما هي بلغة السوقة أشبه".

وبالرغم من أن كثيراً من المستشرقين على غرار (شواركي) قد أساؤوا في تراجمهم إلى القرآن الكريم، مثل جاك بيرك (Berque) وبلاشير (Blachere) وغيرهما من الذين ساهموا في إعطاء صورة مغلوطة ومشوهة عن القرآن الكريم والإسلام؛ بسبب جهلهم لغة القرآن، وقصورهم عن فهم معانيه، أو بغرض التشكيك في الإسلام، فإن ثمة عدداً من الترجمات الجيدة مثل ترجمة كازيمرسكي (Kasimirski) التي ظهرت في عام (1840م).

وتُعدُّ ترجمة محمد حميد الله من أبرز ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، إلا أنها تعاني من بعض الأخطاء، التي تقصر عن نقل النص القرآني بشكل صحيح للقارئ الناطق بالفرنسية، وقد أجازتها الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية بعد أن أدخلت عليها بعض التعديلات.

على أن ما ورد من انتقاد وملاحظات على ترجمة محمد حميد الله لا يقلل من المجهود العظيم الذي قام به المترجم. وقد قامت د. هدى جميل برنجي الأستاذ المساعد في قسم اللغة الفرنسية، كلية اللغات والترجمة جامعة الملك سعود ببحث تحت عنوان (بعض المشاكل التي تعيق ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية) وسجلت في بحثها الموسوم جملة من الملاحظات على ترجمة محمد حميد الله؛ بغرض تصحيح بعض ما ورد فيها من أخطاء. وأوصت الباحثة في خاتمة بحثها بضرورة قيام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بتكوين لجنة للبحث في إعادة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، وإصدار نسخة جديدة معدلة خالية من الأخطاء. وقد ذكرت الباحثة في أثناء بحثها بعض الاجتهادات التي قد تصوب المعنى القرآني، وذلك بعد عرضها على لجنة من المترجمين والمفسرين والمختصين في علوم الدين الأكفاء للنظر فيها ودراستها ومناقشتها.

كما أن الشيخ فودي سوريبا كمارا قام بدراسة نقدية لترجمة (بلاشير) بيَّن ما وقع فيه الأخير من أخطاء نحوية، ولغوية، وتاريخية، ومنهجية، وغير ذلك. وقد كتب د. حسن عزوزي عن ترجمة بلاشير ما يلي: "بالرغم من موقع ترجمة بلاشير كواحدة من أفضل الترجمات الفرنسية، فإن الأخطاء الواردة في ثنايا الترجمة كثيرة جداً".

وقد بلغت ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، حسب إحصائيات الأستاذ محمد حميد الله في مقدمة ترجمته الآنفة الذكر، ستاً وثلاثين ترجمة، أكثرها ترجمات المستشرقين، من ضمنها ترجمة لمستشرقة، كتبت على ترجمتها اسماً شبه مستعار، حاولت في ترجمتها أن تحذو حذو (بلاشير) في ترجمته، وأن تقتدي به في كثير من الأحيان، وهو ما جعلها تقع في أخطاء كثيرة. وقد كتبت ترجمتها بتشجيع من لويس ماسينيون (Louis Massignon).

وقد ظهر عدد كثير من هؤلاء المترجمين المستشرقين في (ثياب صديق) كأمثال (جاك بيريك) و(ريجيس بلاشير) وغيرهما؛ فقد كان الأول عضواً بالمجمع اللغوي المصري، كما كان الثاني من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق!!! ولقد عانى القرآن الكريم الأمرّين من هذين (العضوين) في ترجمتيهما لمعانيه.

إن معظم ترجمات معاني القرآن إلى اللغة الفرنسية تبين لنا أنها لم تنقل مضمون النص القرآني في كثير من الأحيان بدقة ووضح للقارئ الناطق بالفرنسية، وأن مضمون الترجمة ومدى إصابة الهدف المتوخى منها بعيد عن الدقة، ولا يعطي لغة التنزيل حقها الكافي، ومن ثم يكون من الأهمية بمكان القيام بدراسة منهجية، وتحليل علمي لبعض المشاكل التي تعيق ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة