القول في ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ( 30 ) تأويل قوله تعالى : ( إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ( 31 ) فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ( 32 ) ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق ( 33 ) )
يقول - تعالى ذكره - ( ووهبنا لداود سليمان ) ابنه ولدا ( نعم العبد ) يقول : نعم العبد سليمان ( إنه أواب ) يقول : إنه رجاع إلى طاعة الله تواب إليه مما يكرهه منه . وقيل : إنه عني به أنه كثير الذكر لله والطاعة .
[ ص: 192 ] ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( نعم العبد إنه أواب ) قال : الأواب : المسبح .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( نعم العبد إنه أواب ) قال : كان مطيعا لله كثير الصلاة .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن قوله ( السدي نعم العبد إنه أواب ) قال : المسبح .
والمسبح قد يكون في الصلاة والذكر . وقد بينا معنى الأواب ، وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقوله ( إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ) يقول - تعالى ذكره - : إنه تواب إلى الله من خطيئته التي أخطأها ، إذ عرض عليه بالعشي الصافنات ، فإذ من صلة أواب ، والصافنات : جمع الصافن من الخيل ، والأنثى : صافنة ، والصافن منها عند بعض العرب : الذي يجمع بين يديه ، ويثني طرف سنبك إحدى رجليه ، وعند آخرين : الذي يجمع يديه . وزعم الفراء أن الصافن : هو القائم ، يقال منه : صفنت الخيل تصفن صفونا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : ( الصافنات الجياد ) قال : صفون الفرس : رفع إحدى يديه حتى يكون على طرف الحافر .
حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : صفن الفرس : رفع إحدى يديه حتى يكون على طرف الحافر .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ) [ ص: 193 ] يعني : الخيل ، وصفونها : قيامها وبسطها قوائمها .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن : الصافنات قال : الخيل . السدي
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( الصافنات الجياد ) قال : الخيل أخرجها الشيطان لسليمان ، من مرج من مروج البحر . قال : الخيل والبغال والحمير تصفن ، والصفن أن تقوم على ثلاث ، وترفع رجلا واحدة حتى يكون طرف الحافر على الأرض .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : الصافنات : الخيل ، وكانت لها أجنحة .
وأما الجياد ، فإنها السراع ، واحدها : جواد .
كما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قاله . ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : الجياد : قال : السراع .
وذكر أنها كانت عشرين فرسا ذوات أجنحة .
ذكر الخبر بذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار مؤمل قال : ثنا سفيان ، عن أبيه ، عن إبراهيم التيمي في قوله ( إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ) قال : كانت عشرين فرسا ذات أجنحة .
وقوله ( فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ) وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره : فلهي عن الصلاة حتى فاتته ، فقال : إني أحببت حب الخير . ويعني بقوله ( فقال إني أحببت حب الخير ) [ ص: 194 ] : أي المال والخيل ، أو الخير من المال .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ( السدي فقال إني أحببت حب الخير ) قال : الخيل .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن قوله ( السدي إني أحببت حب الخير ) قال : المال .
وقوله ( عن ذكر ربي ) يقول : إني أحببت حب الخير حتى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته . وقيل : إن ذلك كان صلاة العصر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( عن ذكر ربي ) عن صلاة العصر .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( عن ذكر ربي ) قال : صلاة العصر . حدثنا السدي محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : ثنا أبو زرعة قال : ثنا حيوة بن شريح قال : ثنا أبو صخر ، أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول : سمعت أبا الصهباء البكري يقول : سألت عن الصلاة الوسطى ، فقال : هي العصر ، وهي التي فتن بها علي بن أبي طالب سليمان بن داود .
وقوله ( حتى توارت بالحجاب ) يقول : حتى توارت الشمس بالحجاب ، يعني : تغيبت في مغيبها . كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : ثنا ميكائيل ، عن قال : قال داود بن أبي هند ابن مسعود في قوله ( إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ) قال : توارت الشمس من وراء ياقوتة خضراء ، فخضرة السماء منها .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( حتى توارت بالحجاب ) [ ص: 195 ] حتى دلكت براح . قال قتادة : فوالله ما نازعته بنو إسرائيل ولا كابروه ، ولكن ولوه من ذلك ما ولاه الله .
حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي حتى توارت بالحجاب ) حتى غابت .
وقوله ( ردوها علي ) يقول : ردوا علي الخيل التي عرضت علي ، فشغلتني عن الصلاة ، فكروها علي .
كما حدثني محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن ( ردوها علي ) قال : الخيل . السدي
وقوله ( فطفق مسحا بالسوق والأعناق ) يقول : فجعل يمسح منها السوق ، وهي جمع الساق ، والأعناق .
واختلف أهل التأويل في معنى مسح سليمان بسوق هذه الخيل الجياد وأعناقها ، فقال بعضهم : معنى ذلك أنه عقرها وضرب أعناقها ، من قولهم : مسح علاوته : إذا ضرب عنقه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فطفق مسحا بالسوق والأعناق ) قال : قال الحسن : قال لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي وآخر ما عليك . قال قولهما فيه ، يعني قتادة والحسن قال : فكسف عراقيبها ، وضرب أعناقها .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي فطفق مسحا بالسوق والأعناق ) فضرب سوقها وأعناقها .
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال : ثنا بشر بن المفضل عن [ ص: 196 ] عوف ، عن الحسن قال : أمر بها فعقرت .
وقال آخرون : بل جعل يمسح أعرافها وعراقيبها بيده حبا لها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( فطفق مسحا بالسوق والأعناق ) يقول : جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها : حبا لها .
وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية ، لأن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن إن شاء الله ليعذب حيوانا بالعرقبة ، ويهلك مالا من ماله بغير سبب ، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر إليها .