الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          القسمة الثانية :

          أن الخبر ينقسم إلى ما يعلم صدقه ، وإلى ما يعلم كذبه ، وإلى ما لا يعلم صدقه ولا كذبه .

          فأما ما يعلم صدقه فمنه ما يعلم صدقه بمجرد الخبر ، كخبر التواتر ، وما يعلم صدقه لا بنفس الخبر ، بل بدليل يدل على كونه صادقا ، كخبر الله وخبر الرسول فيما يخبر به عن الله تعالى وخبر أهل الإجماع وخبر من أخبر الله تعالى عنه أو رسوله أو أهل الإجماع أنه صادق ، وخبر من وافق خبره خبر الصادق أو دليل العقل وأما ما وراء ذلك مما ادعي أنه معلوم الصدق ، ففيه اختلاف وتفصيل يأتي ذكره في أخبار الآحاد .

          وأما ما يعلم كذبه ، فما كان مخالفا لضرورة العقل أو النظر ، أو الحس أو أخبار التواتر ، أو النص القاطع ، أو الإجماع القاطع ، أو ما صرح الجمع الذين لا يتصور تواطؤهم على الكذب بتكذيبه ، ومن ذلك قول من لم يكذب قط فيما أخبر به " أنا كاذب " فخبره ذلك كاذب ؛ لأن المخبر عنه ليس هو نفس هذا الخبر ؛ لأن الخبر يجب أن يكون غير المخبر عنه ، ولا ما لم يوجد من أخباره ، فإنها لا توصف بصدق ولا كذب فلم يبق غير الأخبار السالفة . وقد كان صادقا فيها فخبره عنها بأنه كاذب فيها يكون [ ص: 13 ] كذبا . وقد اختلف في أخبار قيل إنها معلومة الكذب ، وسيأتي الكلام فيها بعد هذا في أخبار الآحاد .

          وأما ما لا يعلم صدقه ولا كذبه ، فمنه ما يظن صدقه ككثير من الأخبار الواردة في أحكام الشرائع والعادات ممن هو مشهور بالعدالة والصدق . ومنه ما يظن كذبه كخبر من اشتهر بالكذب ، ومنه ما هو غير مظنون الصدق ولا الكذب ، بل مشكوك فيه ، كخبر من لم يعلم حاله ولم يشتهر أمره بصدق ولا كذب .

          فإن قيل : كل خبر لم يقم الدليل على صدقه قطعا فهو كاذب ؛ لأنه لو كان صادقا لما أخلانا الله تعالى عن نصب دليل يدل عليه ، ولهذا فإن المتحدي بالنبوة ، إذا لم تظهر على يده معجزة تدل على صدقه ، فإنا نقطع بكذبه ، قلنا : جوابه من ثلاثة أوجه : الأول : لا نسلم امتناع الخلو من نصب دليل يدل على صدقه بتقدير أن يكون صادقا في نفس الأمر . ومن أوجب ذلك فإنما بناه على وجوب رعاية الصلاح أو الأصلح وقد أبطلناه في علم الكلام .

          الثاني : أنه مقابل بمثله ، وهو أن يقال : ولو كان كاذبا لما أخلانا الله تعالى عن نصب دليل يدل على كذبه .

          الثالث : أنه يلزم مما ذكروه أن يقطع بكذب كل شاهد لم يقم الدليل القاطع على صدقه ، وكفر كل مسلم وفسقه ، إذا لم يقم دليل قاطع على إيمانه وعدالته ، وهو محال .

          وأما المتحدي بالرسالة إذا لم تظهر المعجزة الدالة على صدقه إنما قطعنا بكذبه بالنظر إلى العادة لا بالنظر إلى العقل ، وذلك لأن الرسالة عن الله تعالى على خلاف العادة ، والعادة تقضي بكذب من يدعي ما يخالف العادة من غير دليل ولا كذلك الصدق في الأخبار عن الأمور المحسوسة ؛ لأنه غير مخالف للعادة .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية