الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ وجوز ابن عقيل قتل مسلم جاسوس لكفار ( و م ) وزاد ابن الجوزي : إن خيف دوامه ، وتوقف فيه أحمد ، وعند القاضي : يعنف ذو الهيئة ، وغيره يعزر ] : وقال ( ش ) إن كان من ذوي الهيئات كحاطب أحببت أن يتجافى عنه وإن لم يكن منهم كان للإمام أن يعزره : وقال أصحاب الرأي : يعاقب ويسجن وقصة حاطب في الصحيحين وقال عمر { : قد كفر . وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : دعني أضرب عنق هذا المنافق } .

                                                                                                          قال ابن الجوزي في كشف المشكل : تقرب إلى القوم ليحفظوه في أهله بأن أطلعهم على بعض أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم في كيدهم وقصد قتالهم ، وعلم أن ذلك لا يضر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصرة الله إياه ، وهذا الذي فعله أمر يحتمل التأويل ولذلك { استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حسن الظن وقال : إنه قد صدقكم } ، وقد دل الحديث على أن حكم المتأول في استباحة المحظور خلاف حكم المتعمد لاستحلاله من غير تأويل ، ودل على أن من أتى محظورا وادعى في ذلك ما يحتمل التأويل كان القول قوله في ذلك وإن كان غالب الظن بخلافه ، وقال عن قول عمر : وهذا لأنه رأى صورة النفاق ، ولما احتمل قول عمر وكان لتأويله مساغ لم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          وقال [ ص: 114 ] بعض أصحابنا المتأخرين في كتابه الهدي : فيه إن من نسب مسلما إلى نفاق أو كفر متأولا وغضبا لله ورسوله لا لهواه وحظه لا يكفر ، بل لا يأثم ، بل يثاب على نيته ، بخلاف أهل الأهواء والبدع فإنهم يكفرون ويبدعون من خالفهم وهم أولى بذلك .

                                                                                                          وكذا قال الخطابي إن من كفر مسلما أو نفقه متأولا وهو من أهل الاجتهاد يلزمه عقوبة .

                                                                                                          قال في كشف المشكل : وقد دل الحديث على أن الجاسوس المسلم لا يقتل ، فيقال مطلقا أو مع التأويل ، فهو لا يدل مطلقا ، ولهذا لم يقع تعزير ، هذا إن صح ما ذكره من التأويل وإن لم يصح لم يدل أيضا ، لأن عمر لما طلب قتله لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يقال : لم يذكر أنه لم يوجد المقتضي لقتله ، بل ذكر المانع وهو شهود بدر ، فدل على وجود المقتضي وأنه لولا المعارض لعمل به ، وهو أيضا يدل على تحريم ما وقع .

                                                                                                          وفي كتاب الهدي أنه كبيرة يمحى بالحسنة الكبيرة ، ولهذا قال في شرح مسلم وغيره : فيه أن الجاسوس وغيره من أصحاب الذنوب الكبائر لا يكفرون بذلك وهذا الجنس كبيرة قطعا ، لأنه يتضمن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو كبيرة بلا شك لقوله تعالى { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة } وقوله صلى الله عليه وسلم { لعل الله اطلع على أهل بدر فقالوا : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم } .

                                                                                                          [ ص: 115 ] قال العلماء : معناه الغفران لهم في الآخرة وإلا فلو توجه على أحد منهم حد أو غيره أقيم عليه في الدنيا ، ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد وأقامه عمر على بعضهم { وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مسطحا الحد وكان بدريا } .

                                                                                                          وقال في كشف المشكل في هذا ليس على الاستقبال ، وإنما هو للماضي وتقديره أي عمل كان لكم فقد غفر ، ويدل على هذا شيئان : أحدهما أنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر ، والثاني أنه كان يكون إطلاقا في الذنوب ، ولا وجه لذلك ، ويوضح هذا أن القوم خافوا العقوبة فيما بعد فقال عمر : يا حذيفة هل أنا منهم ؟ وكذا اختيار الخطابي أنه للماضي .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية