الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نصح

                                                          نصح : نصح الشيء : خلص . والناصح : الخالص من العسل وغيره . وكل شيء خلص فقد نصح ، قال ساعدة بن جؤية الهذلي يصف رجلا مزج عسلا صافيا بماء حتى تفرق فيه :


                                                          فأزال مفرطها بأبيض ناصح من ماء ألهاب بهن التألب



                                                          وقال أبو عمرو : الناصح الناصع في بيت ساعدة وقال : وقال النضر : أراد أنه فرق به خالصها ورديئها بأبيض مفرط أي بماء غدير مملوء . والنصح : نقيض الغش مشتق منه نصحه وله نصحا ونصيحة ونصاحة ونصاحة ونصاحية ونصحا ، وهو باللام أفصح ، قال الله تعالى : وأنصح لكم ويقال : نصحت له نصيحتي نصوحا أي أخلصت وصدقت ، والاسم النصيحة . والنصيح : الناصح وقوم نصحاء ، وقال النابغة الذبياني :


                                                          نصحت بني عوف فلم يتقبلوا     رسولي ولم تنجح لديهم وسائلي



                                                          ويقال : انتصحت فلانا وهو ضد اغتششته ومنه قوله :


                                                          ألا رب من تغتشه لك ناصح     ومنتصح باد عليك غوائله



                                                          تغتشه : تعتده غاشا لك . وتنتصحه : تعتده ناصحا لك . قال الجوهري : وانتصح فلان أي قبل النصيحة . يقال : انتصحني إنني لك ناصح ، وأنشده ابن بري :


                                                          تقول انتصحني إنني لك ناصح     وما أنا إن خبرتها بأمين



                                                          قال ابن بري : هذا وهم منه لأن انتصح بمعنى قبل النصيحة لا يتعدى ; لأنه مطاوع نصحته فانتصح ، كما تقول رددته فارتد ، وسددته فاستد ، ومددته فامتد ، فأما انتصحته بمعنى اتخذته نصيحا فهو متعد إلى مفعول ، فيكون قوله انتصحني إنني لك ناصح يعني اتخذني ناصحا لك ومنه قولهم : لا أريد منك نصحا ولا انتصاحا [ ص: 269 ] أي لا أريد منك أن تنصحني ولا أن تتخذني نصيحا ، فهذا هو الفرق بين النصح والانتصاح : والنصح : مصدر نصحته . والانتصاح مصدر انتصحته أي اتخذته نصيحا ومصدر انتصحت أيضا أي قبلت النصيحة ، فقد صار للانتصاح معنيان . وفي الحديث : إن الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم . قال ابن الأثير : النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له فليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناها غيرها . وأصل النصح : الخلوص . ومعنى النصيحة : صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته . والنصيحة لكتاب الله : هو التصديق به والعمل بما فيه . ونصيحة رسوله : التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه . ونصيحة الأئمة : أن يطيعهم في الحق ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا . ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى المصالح ، وفي شرح هذا الحديث نظر وذلك في قوله نصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحق ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا فأي فائدة في تقييد لفظه بقوله يطيعهم في الحق مع إطلاق قوله ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا وإذا منعه الخروج إذا جاروا لزم أن يطيعهم في غير الحق . وتنصح أي تشبه بالنصحاء . واستنصحه : عده نصيحا . ورجل ناصح الجيب : نقي الصدر ناصح القلب لا غش فيه ، كقولهم طاهر الثوب وكله على المثل ، قال النابغة :


                                                          أبلغ الحارث بن هند بأني     ناصح الجيب باذل للثواب



                                                          وقوم نصح ونصاح . والتنصح : كثرة النصح ، ومنه قول أكثم بن صيفي : إياكم وكثرة التتصح فإنه يورث التهمة . والتوبة النصوح : الخالصة ، وقيل : هي أن لا يرجع العبد إلى ما تاب عنه ، قال الله - عز وجل - : توبة نصوحا قال الفراء : قرأ أهل المدينة نصوحا بفتح النون ، وذكر عن عاصم نصوحا بضم النون ، وقال الفراء : كأن الذين قرأوا نصوحا أرادوا المصدر مثل القعود ، والذين قرأوا نصوحا جعلوه من صفة التوبة ، والمعنى أن يحدث نفسه إذا تاب من ذلك الذنب أن لا يعود إليه أبدا وفي حديث أبي : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التوبة النصوح فقال : هي الخالصة التي لا يعاود بعدها الذنب . وفعول من أبنية المبالغة يقع على الذكر والأنثى فكأن الإنسان بالغ في نصح نفسه بها ، وقد تكرر في الحديث ذكر النصح والنصيحة . وسئل أبو عمرو عن نصوحا فقال : لا أعرفه . قال الفراء وقال المفضل : بات عزوبا وعزوبا وعروسا وعروسا . قال أبو إسحاق : توبة نصوح بالغة في النصح ، ومن قرأ نصوحا فمعناه ينصحون فيها نصوحا . وقال أبو زيد : نصحته أي صدقته ، ومنه التوبة النصوح وهي الصادقة . والنصاح : السلك يخاط به . وقال الليث : النصاحة السلوك التي يخاط بها وتصغيرها نصيحة . وقميص منصوح أي مخيط . ويقال للإبرة : المنصحة فإذا غلظت فهي الشعيرة . والنصح : مصدر قولك نصحت الثوب إذا خطته . قال الجوهري : ومنه التوبة النصوح اعتبارا بقوله صلى الله عليه وسلم : من اغتاب خرق ومن استغفر الله رفأ . ونصح الثوب والقميص ينصحه نصحا وتنصحه : خاطه . ورجل ناصح وناصحي ونصاح : خائط . والنصاح : الخيط ، وبه سمي الرجل نصاحا والجمع نصح ونصاحة الكسرة في الجمع غير الكسرة في الواحد ، والألف فيه غير الألف والهاء لتأنيث الجمع . والمنصحة : المخيطة . والمنصح : المخيط . في ثوبه متنصح لم يصلحه أي موضع إصلاح وخياطة كما يقال : إن فيه مترقعا ، قال ابن مقبل :


                                                          ويرعد إرعاد الهجين أضاعه     غداة الشمال الشمرج المتنصح



                                                          وقال أبو عمرو : المتنصح المخيط ، وأنشد بيت ابن مقبل . وأرض منصوحة : متصلة بالغيث كما ينصح الثوب حكاه ابن الأعرابي ، قال ابن سيده : وهذه عبارة رديئة إنما المنصوحة الأرض المتصلة النبات بعضه ببعض كأن تلك الجوب التي بين أشخاص النبات خيطت حتى اتصل بعضها ببعض . قال النضر : نصح الغيث البلاد نصحا إذا اتصل نبتها فلم يكن فيه فضاء ولا خلل ، وقال غيره : نصح الغيث البلاد ونضرها بمعنى واحد وقال أبو زيد : الأرض المنصوحة هي المجودة نصحت نصحا . ونصح الرجل الري نصحا إذا شرب حتى يروى ، وكذلك نصحت الإبل الشرب تنصح نصوحا : صدقته . وأنصحتها أنا : أرويتها ، قال :


                                                          هذا مقامي لك حتى تنصحي     ريا وتجتازي بلاط الأبطح



                                                          ويروى : حتى تنضحي بالضاد المعجمة ، وليس بالعالي . البلاط : القاع . وأنصح الإبل : أرواها . والنصاحات : الجلود ، قال الأعشى يصف شربا :


                                                          فترى القوم نشاوى     كلهم مثلما مدت نصاحات الربح



                                                          قال الأزهري : أراد بالربح الربع ، في قول بعضهم وقال ابن سيده : الربح من أولاد الغنم ، وقيل : هو الطائر الذي يسمى بالفارسية زاغ ، وقال المؤرج : النصاحات حبال يجعل لها حلق ، وتنصب للقرود إذا أرادوا صيدها : يعمد رجل فيجعل عدة حبال ثم يأخذ قردا فيجعله في حبل منها ، والقرود تنظر إليه من فوق الجبل ثم يتنحى الحابل فتنزل القرود فتدخل في تلك الحبال ، وهو ينظر إليها من حيث لا تراه ثم ينزل إليها ، فيأخذ ما نشب في الحبال ، قال وهو قول الأعشى :


                                                          مثلما مدت نصاحات الربح



                                                          قال : والربح القرد ، وأصلها الرباح . وشيبة بن نصاح : رجل من القراء . والنصحاء ومنصح : موضعان قال ساعدة بن جؤية :


                                                          لهن بما بين الأصاغي ومنصح     تعاو كما عج الحجيح المبلد



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية