الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دفع المرء الرشوة لرفع الظلم عن نفسه

السؤال

جزاكم الله خيرا على هذا المجهود العظيم، لكن قبل أن أطرح السؤال عليكم أرجو منكم عندما يتم الإجابة عليه أن تكون إجابة تفصيلية لأني دخلت على مواقع كثيرة ولكني لا أستفيد من الفتوى
السؤال هو: أني كنت أعمل بشركة قطاع عام حوالي ستة سنوات ولكن بدون تثبيت وكنت أعمل بإدارة من إدارات الشركة ففي الصباح كنت أعمل بمكتب الملفات الخاص بهذه الإدارة والمساء الوقت الإضافي كنت أعمل بالمطبعة الخاصة بتلك الإدارة لكي يزيد راتبي *أتمنى أن يكون كلامي واضحا لحضراتكم *أكمل* فبعد عملي بهذه الإدارة بسنتين تحولت من قطاع صغير إلى إدارة كبيرة وكانوا يحتاجون إلى حوالي 200 شخص ليتعينوا بهذه الإدارة وأنا كنت أعمل بها وكنت أسعى لكي يتم تعييني من ضمن هؤلاء الأشخاص ولكن مدراء الإدارة قالوا لي عندما تأتي بشهادة الجيش سيتم تعيينك فوراً وعندما أتيت بها كأنها لم تأت وكنت أحاول جاهداً مراراً وتكراراً ليتم تعييني ولكن للأسف تعيين هؤلاء الأناس جاء بالواسطة وأنا لأني ليس عندي واسطة لم يتم تعييني ولكني مكثت بها على أمل أني أتعين فيها فعملت ستة سنوات وتوفي الرجل الذي كنت أعمل معه بمكتب الملفات الخاصة بالإدارة وكنت على دراية كاملة بجميع العمل الذي كان يقوم به وكنت أنتظر أن يتم تعييني مكان هذا الشخص أسأل الله أن يدخله فسيح جناته، ولكن للأسف الواسطة كانت مستولية على كل شيء أتوا بشخص مكانه من الخارج لا دراية له بالشركة ولا بأعمال الشركة وظللت ماكثاً معهم وبعد ذلك جاء لي سفر إلى دولة من الدول العربية * أنا آسف لأني أطلت عليكم ولكني محتار * أكمل * فعملت بتلك الدولة بمكتب محاماة كطباع للمذكرات ولكن تبين لي أن هذا المكتب أحياناً يكون عمله للدفاع عن مجرمين وأخذ المال من غير حق وأحياناً يكون دفاعاً عن أصحاب حق ،سؤالي من شقين:
الأول في حالتي تلك التي كانت بالشركة والتي تتبين لكم من هذا الكلام هل لو دفعت رشوة لأتعين بهذه الشركة يكون ذلك جائزا أم لا***
الثاني: هل إذا جاز لي أن أدفع رشوة وأن أتعين بهذه الشركة فهل يجوز أن آخذ من المال الذي عملت به في مكتب المحاماة الذي كان يدافع أحياناً عن مجرمين ******************
سؤالي انتهى، لكن لا أدري هل استطعت أن أوصل ما أريد.
وجزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمما لا شك فيه أن الرشوة من كبائر الذنوب، ملعون صاحبها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. رواه أحمد وأبو داود وهو عند الترمذي بزيادة: في الحكم. وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية: والرائش. وهو الساعي بينهما. وقال تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ {الأنعام: 41}. قال الحسن، وسعيد بن جبير هو: الرشوة. وقال تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:188} .

إذاً فطلب الرشوة حرام، وقبولها حرام، كما يحرم عمل الوسيط (الرائش) بين الراشي والمرتشي.

هذا في الرشوة التي يتوصل بها صاحبها إلى ما ليس له. وأما الرشوة التي يتوصل بها المرء إلى حقه، أو لدفع ظلم عنه أو ضرر، فإنها جائزة عند الجمهور، ويكون الإثم فيها على المرتشي دون الراشي.

قال ابن الأثير: فأما ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه. روي أن ابن مسعود أُخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خُلي سبيله، ورُوي عن جماعة من أئمة التابعين أنهم قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله، إذا خاف الظلم. انتهى.

وبناء على ما ذكر، فإن كانت الشركة التي كنت تعمل بها تابعة للقطاع العمومي، وقد ظُلمت من طرف المسؤولين فيها، ولم تجد وسيلة إلى التوصل إلى حقك إلا بالرشوة فلا بأس بأن تبذل المال لنيل ما لك من حق، ويكون الإثم حينئذ خاصا بمن أخذ المال منك.

وأما إن كانت الشركة مملوكة من طرف شخص أو أشخاص معينين، فإن من حق أصحابها أن يعينوا في الوظائف من يريدون ويتركوا من يريدون، ولا يسمى هذا ظلما، لأنهم يتصرفون في ملكهم الخاص. وبالتالي فليس يباح لك أن تدفع رشوة للحصول على تعيين فيها.

هذا عن سؤالك الأول، وفيما يخص سؤالك الثاني، فإنه لا يجوز الدفاع عن المجرمين أو المخاصمة عنهم بحيث يفلتون مما يستحق عليهم من حقوق أو عقاب منضبط بضوابط الشرع الحنيف، لعموم قول الله تعالى: وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً {النساء:105}، وقوله تعالى: وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً

{النساء:107}. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ {النحل: 90} ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع. رواه أحمد.

ويعظم الإثم إذا كان ذلك الدفاع أو المخاصمة عن طريق تزوير المستندات أو إحضار شهود زور، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من غش فليس مني. رواه مسلم، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور، قال: فمازال يكررها حتى قلنا ليته سكت. متفق عليه.

وعليه، فلا يجوز أن تعمل في مكتب المحاماة الذي قلت إنه يدافع أحياناً عن مجرمين، وإذا كنت قد عملت به بالفعل، فالذي يباح لك مما أخذته من المال هو ما كان في مقابل الدفاع عن الحق. وأما الذي أخذته في مقابل الدفاع عن الباطل فهو حرام عليك، ويجب أن تتخلص منه في وجه من وجوه الخير، وما أخذته في مقابل الحق فلك أن تتصرف فيه التصرف المشروع ومن ذلك دفعه لرفع ظلم عنك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني