الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهل الفترة وتفسير قوله تعالى (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم..)

السؤال

من هم أهل الفترة وهل العرب قبل البعثة أهل فترة؟ وما معنى قوله تعالى(لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) وما دلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم للسائل: أبي وأبوك في النار.

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

أهل الفترة هم الذين ماتوا قبل أن تبلغهم الرسالة واختلف في حكمهم على أقوال.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

أهل الفترة هم الذين ماتوا قبل أن تبلغهم الرسالة، والعرب قبل البعثة كانوا من أهل الفترة كما تفيده الآية التي ذكرت، وعلى ذلك يجري في حقهم الخلاف في حكم أهل الفترة، وقد بينا أقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 4723.

ومما قيل في أهل الفترة أنهم مكلفون بالإيمان وما كان معلوما مشهورا من دين إبراهيم عليه السلام، وهو توحيد الله ونبذ عبادة الأصنام، فمن مات مفرطا في هذا فهو من أهل النار وهذا قول تشهد له أدلة ، ومن أدلة هذا القول الحديث الذي ذكرت من قول النبي للسائل أبي وأبوك في النار فهذه هي دلالته كما اختاره، وهُوَ مِنْ حُسْن عِشْرَته صلى الله عليه وسلم لِتَّسْلِيَته صاحبه بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْمُصِيبَة، كما قال النووي في شرح مسلم. وقال : فِيهِ : أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَهُوَ فِي النَّار ، وَلَا تَنْفَعهُ قَرَابَة الْمُقَرَّبِينَ ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَة عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَب مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان فَهُوَ مِنْ أَهْل النَّار ، وَلَيْسَ هَذَا مُؤَاخَذَة قَبْل بُلُوغ الدَّعْوَة ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَة إِبْرَاهِيم وَغَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِمْ .اهـ

وأما معنى قوله عز وجل : { لِّتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ } ففيه وجهان كما في تفاسير الماوردي والنسفي والبغوي وزاد المسير وغيرها :

أحدهما : أنهم قريش أنذروا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينذر آباؤهم من قبلهم ، قاله قتادة . فعلى هذا ما نافية ،وهو قول أكثر المفسرين كما في فتح القدير ، قال : وهو الظاهر من النظم لترتيب فهم غافلون على ما قبله .

الثاني : أنه عام ومعناه لتنذر قوماً كما أنذر آباؤهم ، قاله السدي . وعلى هذا فما موصولة .

وقال ابن عطية : يحتمل أن تكون ما مصدرية فتكون نعتاً لمصدر مؤكد أي لتنذر قوما إنذاراً مثل إنذار الرسل آباءهم الأبعدين ، وقيل هي زائدة وليس بشيء.اهـ

وقوله: { فَهُمْ غَافِلُونَ } يحتمل وجهين: أحدهما : عن قبول الإِنذار . الثاني : عن استحقاق العذاب .

وفي تفسير الألوسي : والمراد بآبائهم آباؤهم الأدنون وإلا فالأبعدون قد أنذرهم إسماعيل عليه السلام وبلغهم شريعة إبراهيم عليه السلام ، وقد كان منهم من تمسك بشرعه على أتم وجه، ثم تراخى الأمر وتطاول المدد فلم يبق من شريعته عليه السلام إلا الاسم .

قال: وفي «البحر» الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة إما بمباشرة من أنبيائهم وإما بنقل إلى وقت بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم والآيات التي تدل على أن قريشاً ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم ولا آباءهم القريبين . وأما أن النذارة انقطعت فلا ، ولما شرعت آثارها تندرس بعث النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكره المتكلمون من حال أهل الفترات فهو على حسب الفرض اهـ .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني