الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم من أخطأ في حق نفسه وحق غيره

السؤال

أخي أخطأ خطأ كبيرا في حق نفسه وحق أحد من المقربين منه، وهو الآن يشعر بالذنب وقد قرر التكفيرعن هذا الخطأ بالتوبة إلي الله، والطلب ممن أخطأ في حقه أن يسامحه، ومعاقبة نفسه أيضا عن طريق الصيام وعبادات أخرى, ولكنه يصر علي أن هذا لا يكفي وأنه يجب عليه معاقبة نفسه عقابا شديدا مثل أن يوقف حياته كلها،ولا يتزوج وأشياء أخرى, وأنا أرى أن هذا خطأ، وأنه يجب أن يتخلص من شعوره بالذنب بعد أن يقوم بالتوبة إلي الله، وخصوصا أن من أخطأ هو في حقه قد سامحه بالفعل، ولكنه لا يستطيع أن يسامح نفسه، وأنا لا أدري ماذا أفعل لأقنعه؟
فأرجو المساعدة وتبيين الرأي الصواب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب على أخيك وقد أخطأ في حق نفسه وحق غيره أن يبادر بالتوبة إلى الله جل وعلا وأن يتحلل ممن ظلمه, وعليه مع ذلك أن يكثر من الأعمال الصالحة المكفرة فقد قال الله جل وعلا: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} , وفي صحيح الترمذي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. حسنه الألباني.

فإن فعل هذا فنرجو أن يقبل الله توبته، فإنه سبحانه قد وعد بقبول التائبين فقال: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}

أما أن يتجاوز هذا إلى ما ذكرت من فعل ما يعود عليه بالضرر والأذى مثل الامتناع عن الزواج ونحوه فهذا لا يجوز، لأنه لا ضرر ولا ضرار، والإنسان ممنوع من إدخال الضرر على نفسه كما منع من إدخال الضرر على غيره.

فإن كان إقدامه على هذا الفعل بدافع التدين والتقرب إلى الله فهنا يعظم الإثم ويتأكد المنع, لدخوله حينئذ في حيز البدعة المحرمة, ذلك أن المسلم إنما أمر بعبادة الله بما شرعه الله، وقد شرع الله للذنب التوبة وفعل الصالحات, فمن لم يكتف بهذا ورام ما وراءه مما لم يشرعه الله ولم يأمر به فقد ابتدع في دين الله.

قال الشاطبي في تعريف البدعة: البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية. انتهى من الاعتصام.

وقال في موضع آخر: لأن بعض الصحابة هم أن يحرم على نفسه النوم بالليل، وآخر الأكل بالنهار، وآخر إتيان النساء، وبعضهم هم بالاختصاء، مبالغة في ترك شأن النساء . وفي أمثال ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :من رغب عن سنتي فليس مني. فإذاً كل من منع نفسه من تناول ما أحل الله من غير عذر شرعي فهو خارج عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم . والعامل بغير السنة تدينا، هو المبتدع بعينه. انتهى.

ولا شيء أعظم خطرا على دين المرء من البدعة نسأل الله السلامة والعافية .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني