الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل رجع أحد من المهاجرين لمكة للاستيطان بها

السؤال

هل رجع إلى مكة أحد من المهاجرين بعد الفتح؟ أو لو تُرك شيء في الله لا يجوز الرجوع إليه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد بينت الأحاديث الصحيحة أنه لا يجوز لمن هاجر من مكة أن يرجع إليها على سبيل الاستيطان فيها، جاء في بيان مشكل الآثار للطحاوى: كان المهاجرون يشفقون من إدراك الموت إياهم بها (أي بمكة ) ويعظمون ذلك ويخشونه على أنفسهم كما قد حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه قال مرضت عام الفتح مرضا أشفيت منه على الموت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت يا رسول الله أخلف عن هجرتي قال إنك لن تخلف بعدي فتعمل عملا تبتغي به وجه الله عز وجل إلا ازددت به رفعة ودرجة، ولعلك أن تخلف بعدي حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة. انتهى.

وفي رواية أخرى: قال يا رسول الله إني أرهب أن أموت في الأرض التي هاجرت منها فادع الله لي "قال: اللهم اشف سعدا، اشف سعدا"

وفي مشكل الآثار أيضا: أفلا ترى إلى منع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة المهاجرين إليه قبل ذلك إلى المدينة من الرجوع إلى مكة إن كانوا قد هاجروا منها وتركوها لله عز وجل إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة فيها ومن المقام بها إلا ما لا يجدون منه بدا في حجهم إليها من المقام بها ليتأهبوا لخروجهم منها ورجوعهم إلى دار هجرتهم. انتهى.

وفي التمهيد لابن عبد البر عند الكلام عن هذا الحديث: وفيه دليل على أن المهاجر لا يجوز له المقام بالأرض التي هاجر منها أكثر مما وقت له، وذلك ثلاثة أيام، وذلك محفوظ في حديث العلاء بن الحضرمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للمهاجرين ثلاثة أيام بعد الصدر. انتهى. وفيه أيضا: وقد كانوا يعدون من الكبائر أن يرجع أعرابيا بعد هجرته. انتهى.

وفيه أيضا [ عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عبد الرحمن الأعرج قال خلف النبي صلى الله عليه وسلم على سعد رجلا فقال "إن مات بمكة فلا تدفنه بها" قال سفيان "لأنه كان مهاجرا" وروى سفيان بن عيينة عن محمد بن قيس عن أبي بردة عن سعد بن أبي وقاص قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتكره للرجل أن يموت في الأرض التي هاجر منها قال "نعم"] انتهى.

وفي الصحيحين عن سلمة ابن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت ؟ قال لا ولكن رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن لي في البدو.

وبوب الإمام النووي رحمه الله تعالى في صحيح مسلم فقال "باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه" ثم قال: قال القاضي عياض: أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته ورجوعه إلى وطنه، وعلى أن ارتداد المهاجر أعرابيا من الكبائر قال ولهذا أشار الحجاج إلى أن أعلمه سلمة أن خروجه إلى البادية انما هو بإذن النبى صلى الله عليه وسلم. انتهى.

ولا علم لنا برجوع أحد من المهاجرين إلى المدينة بعد الهجرة، ولا يظن ذلك بأحد منهم رضوان الله عليهم بعد هذا الوعيد الشديد.

ولكن قد ثبت أن بعض المهاجرين قد مات بمكة كعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه، ولكنه لم يكن مستوطنا لها، بل أدركه الموت وهو في النسك، وكسعد بن خولة على القول بأنه من المهاجرين.

وقد ذكر النووي رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث قوله: وكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله تعالى. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني